175
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

فَرطُ فاقَتِها، ولا عَلیٰ مَن قَد رَآها تَوَسَّدَتِ الثّریٰ عَجزُ حيلَتِها، فَقُلتَ: مَلائِكَتي، فَريدٌ نَأیٰ عَنهُ الأَقرَبونَ، وبَعيدٌ جَفاهُ الأَهلونَ، ووَحيدٌ فارَقَهُ المالُ وَالبَنونَ، نَزَلَ بي قَريباً، وسَكَنَ اللَّحدَ غَريباً، وكانَ لي في دارِ الدُّنيا داعِياً، ولِنَظَري لَهُ في هذَا اليَومِ راجِياً، فَتُحسِنُ عِندَ ذلِكَ ضِيافَتي، وتَكونُ أشفَقَ عَلَيَّ مِن أهلي وقَرابَتي.
إلٰهي وسَيِّدي! لَو أطبَقَت ذُنوبي ما بَينَ ثَرَى الأَرضِ إلیٰ أعنانِ السَّماءِ، وخَرَقَتِ النُّجومَ إلیٰ حَدِّ الاِنتِهاءِ، ما رَدَّنِيَ اليَأسُ عَن تَوَقُّعِ غُفرانِكَ، ولا صَرَفَنِيَ القُنوطُ عَنِ انتِظارِ رِضوانِكَ.
سَيِّدي! قَد ذَكَرتُكَ بِالذِّكرِ الَّذي ألهَمتَنيهِ، ووَحَّدتُكَ بِالتَّوحيدِ الَّذي أكرَمتَنيهِ، ودَعَوتُكَ بِالدُّعاءِ الَّذي عَلَّمتَنيهِ، فَلا تَرحَمني بِرَحمَتِكَ الجَزاءَ الَّذي وَعَدتَنيهِ، فَمِنَ النِّعمَةِ لَكَ عَلَيَّ أن هَدَيتَني بِحُسنِ دُعائِكَ، ومِن إتمامِها أن توجِبَ لي مَحمودَةَ جَزائِكَ.
سَيِّدي! أنتَظِرُ عَفوَكَ كَما يَنتَظِرُهُ المُذنِبونَ، ولَستُ أيأَسُ مِن رَحمَتِكَ الَّتي يَتَوَقَّعُهَا المُحسِنونَ.
إلهي وسَيِّدِي! انهَمَلَت بِالسَّكبِ عَبَراتي حينَ ذَكَرتُ خَطايايَ وعَثَراتي، وما لَها لا تَنهَمِلُ وتَجري وتَفيضُ ماؤُها وتَذري ولَستُ أدري إلیٰ ما يَكونُ مَصيري، وعَلیٰ ما يَتَهَجَّمُ عِندَ البَلاغِ مَسيري، يا اُنسَ كُلِّ غَريبٍ مُفرَدٍ آنِس فِي القَبرِ وَحشَتي، ويا ثانِيَ كُلِّ وَحيدٍ ارحَم فِي الثَّریٰ طولَ وَحدَتي.
سَيِّدي! كَيفَ نَظَرُكَ لي بَينَ سُكّانِ الثَّریٰ؟ وكَيفَ صَنيعُكَ بي في دارِ الوَحشَةِ وَالبِلیٰ؟ فَقَد كُنتَ بي لَطيفاً أيّامَ حَياةِ الدُّنيا، يا أفضَلَ المُنعِمينَ في آلائِهِ، وأَنعَمَ المُفضِلينَ في نَعمائِهِ، كَثُرَت أياديكَ فَعَجَزتُ عَن إحصائِها، وضِقتُ ذَرعاً في شُكري لَكَ بِجَزائِها، فَلَكَ الحَمدُ عَلیٰ ما أولَيتَ مِنَ التَّفَضُّلِ، ولَكَ الشُّكرُ عَلیٰ ما أبلَيتَ مِنَ التَّطَوُّلِ.


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
174

سَيِّدي! ألقَتنِي الحَسَناتُ بَينَ جودِكَ وإحسانِكَ، وأَلقَتنِي السَّيِّئاتُ بَينَ عَفوِكَ وغُفرانِكَ، وقَد رَجَوتُ أن لا يَضيعَ بَينَ ذَينَ وذَينَ مُسيءٌ مُرتَهَنٌ بِجَريرَتِهِ۱، ومُحسِنٌ مُخلِصٌ في بَصيرَتِهِ.
سَيِّدي! إنّي۲ شَهِدَ لِيَ الإِيمانُ بِتَوحيدِكَ، ونَطَقَ لِساني بِتَمجيدِكَ، ودَلَّنِي القُرآنُ عَلیٰ فَواضِلِ جودِكَ، فَكَيفَ لا يَبتَهِجُ رَجائي بِتَحقيقِ مَوعودِكَ، و[كيفَ] لا تَفرَحُ اُمنِيَّتي بِحُسنِ مَزيدِكَ؟!
سَيِّدي! إن غَفَرتَ فَبِفَضلِكَ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ، فَيا مَن لا يُرجیٰ إلّا فَضلُهُ، ولا يُخشیٰ إلّا عَدلُهُ، اُمنُن عَلَيَّ بِفَضلِكَ، ولا تَستَقصِ عَلَيَّ في عَدلِكَ.
سَيِّديٰ أدعوكَ دُعاءَ مُلِحٍّ لا يَمَلُّ مَولاهُ، وأَتَضَرَّعُ إلَيكَ تَضَرُّعَ مَن أقَرَّ عَلي نَفسِهِ بِالحُجَّةِ في دَعواهُ، وخَضَعَ لَكَ خُضوعَ مَن يُؤمِّلُكَ لآِخِرَتِهِ ودُنياهُ، فَلا تَقطَع عِصمَةَ رَجائي، وَاسمَع تَضَرُّعي، وَاقبَل دُعائي، وثَبِّت حُجَّتي عَلیٰ ما اُثبِتُ مِن دَعوايَ.
سَيِّدي! لَو عَرَفتُ اعتِذاراً مِنَ الذَّنبِ لَأَتَيتُهُ، فَأَنَا المُقِرُّ بِما أحصَيتَهُ وجَنَيتُهُ، وخالَفتُ أمرَكَ فيهِ فَتَعَدَّيتُهُ، فَهَب لي ذَنبي بِالاِعتِرافِ، ولا تَرُدَّني في طَلِبَتي عِندَ الاِنصِرافِ.
سَيِّدي! قَد أصَبتُ مِنَ الذُّنوبِ ما قَد عَرَفتَ، وأَسرَفتُ عَلیٰ نَفسي بِما قَد عَلِمتَ، فَاجعَلني عَبداً إمّا طائِعاً فَأَكرَمتَهُ، وإمّا عاصِياً فَرَحِمتَهُ.
سَيِّدي! كَأَنّي بِنَفسي قَد اُضجِعَت بِقَعرِ حُفرَتِها، وَانصَرَفَ عَنهَا المُشَيِّعونَ مِن جيرَتِها، وبَكیٰ عَلَيهَا الغَريبُ لِطولِ غُربَتِها، وجادَ عَلَيها بِالدُّموعِ المُشفِقُ مِن عَشيرَتِها، وناداها مِن شَفيرِ القَبرِ ذو مَوَدَّتِها، ورَحِمَهَا المُعادي لَها فِي الحَياةِ عِندَصَرعَتِها، ولَم يَخفَ عَلَى النّاظِرينَ إلَيها

1.. الجَريرَةُ: الجِنايَةُ والذنب (النهاية: ج۱ ص۲۵۸ «جرر»).

2.. في نسخة: «إذا» بدل «إنّي».

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10847
صفحه از 204
پرینت  ارسال به