فَرطُ فاقَتِها، ولا عَلیٰ مَن قَد رَآها تَوَسَّدَتِ الثّریٰ عَجزُ حيلَتِها، فَقُلتَ: مَلائِكَتي، فَريدٌ نَأیٰ عَنهُ الأَقرَبونَ، وبَعيدٌ جَفاهُ الأَهلونَ، ووَحيدٌ فارَقَهُ المالُ وَالبَنونَ، نَزَلَ بي قَريباً، وسَكَنَ اللَّحدَ غَريباً، وكانَ لي في دارِ الدُّنيا داعِياً، ولِنَظَري لَهُ في هذَا اليَومِ راجِياً، فَتُحسِنُ عِندَ ذلِكَ ضِيافَتي، وتَكونُ أشفَقَ عَلَيَّ مِن أهلي وقَرابَتي.
إلٰهي وسَيِّدي! لَو أطبَقَت ذُنوبي ما بَينَ ثَرَى الأَرضِ إلیٰ أعنانِ السَّماءِ، وخَرَقَتِ النُّجومَ إلیٰ حَدِّ الاِنتِهاءِ، ما رَدَّنِيَ اليَأسُ عَن تَوَقُّعِ غُفرانِكَ، ولا صَرَفَنِيَ القُنوطُ عَنِ انتِظارِ رِضوانِكَ.
سَيِّدي! قَد ذَكَرتُكَ بِالذِّكرِ الَّذي ألهَمتَنيهِ، ووَحَّدتُكَ بِالتَّوحيدِ الَّذي أكرَمتَنيهِ، ودَعَوتُكَ بِالدُّعاءِ الَّذي عَلَّمتَنيهِ، فَلا تَرحَمني بِرَحمَتِكَ الجَزاءَ الَّذي وَعَدتَنيهِ، فَمِنَ النِّعمَةِ لَكَ عَلَيَّ أن هَدَيتَني بِحُسنِ دُعائِكَ، ومِن إتمامِها أن توجِبَ لي مَحمودَةَ جَزائِكَ.
سَيِّدي! أنتَظِرُ عَفوَكَ كَما يَنتَظِرُهُ المُذنِبونَ، ولَستُ أيأَسُ مِن رَحمَتِكَ الَّتي يَتَوَقَّعُهَا المُحسِنونَ.
إلهي وسَيِّدِي! انهَمَلَت بِالسَّكبِ عَبَراتي حينَ ذَكَرتُ خَطايايَ وعَثَراتي، وما لَها لا تَنهَمِلُ وتَجري وتَفيضُ ماؤُها وتَذري ولَستُ أدري إلیٰ ما يَكونُ مَصيري، وعَلیٰ ما يَتَهَجَّمُ عِندَ البَلاغِ مَسيري، يا اُنسَ كُلِّ غَريبٍ مُفرَدٍ آنِس فِي القَبرِ وَحشَتي، ويا ثانِيَ كُلِّ وَحيدٍ ارحَم فِي الثَّریٰ طولَ وَحدَتي.
سَيِّدي! كَيفَ نَظَرُكَ لي بَينَ سُكّانِ الثَّریٰ؟ وكَيفَ صَنيعُكَ بي في دارِ الوَحشَةِ وَالبِلیٰ؟ فَقَد كُنتَ بي لَطيفاً أيّامَ حَياةِ الدُّنيا، يا أفضَلَ المُنعِمينَ في آلائِهِ، وأَنعَمَ المُفضِلينَ في نَعمائِهِ، كَثُرَت أياديكَ فَعَجَزتُ عَن إحصائِها، وضِقتُ ذَرعاً في شُكري لَكَ بِجَزائِها، فَلَكَ الحَمدُ عَلیٰ ما أولَيتَ مِنَ التَّفَضُّلِ، ولَكَ الشُّكرُ عَلیٰ ما أبلَيتَ مِنَ التَّطَوُّلِ.