147
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

إلٰهي! تَناهَت أبصارُ النّاظِرينَ إلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ، وطالَعَت أصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ، فَلَم يَلقَ أبصارَهُم رَدٌّ دونَ ما يُريدونُ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ، فَسَكَنوا في نورِكَ، وتَنَفَّسوا بِرَوحِكَ، فَصارَت قُلوبُهُم مَغارِسَ لِهَيبَتِكَ، وأَبصارُهُم مَآكِفَ لِقُدرَتِكَ، وقَرَّبتَ أرواحَهُم مِن قُدسِكَ، فَجالَسُوا اسمَكَ بِوَقارِ المُجالَسَةِ وخُضوعِ المُخاطَبَةِ، فَأَقبَلتَ إلَيهِم إقبالَ الشَّفيقِ، وأَنصَتَّ لَهُم إنصاتَ الرَّفيقِ، وأَجَبتَهُم إجاباتِ الأَحِبّاءِ، وناجَيتَهُم مُناجاةَ الأَخِلّاءِ.
فَبَلِّغ بِيَ المَحَلَّ الَّذي إلَيهِ وَصَلوا، وَانقُلني مِن ذِكري إلیٰ ذِكرِكَ، ولا تَترُك بَيني وبَينَ مَلَكوتِ عِزِّكَ باباً إلّا فَتَحتَهُ، ولا حِجاباً مِن حُجُبِ الغَفلَةِ إلّا هَتَكتَهُ، حَتّیٰ تُقيمَ روحي بَينَ ضِياءِ عَرشِكَ، وتَجعَلَ لَها مَقاماً نُصبَ نورِكَ، إنَّكَ عَلیٰ كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
إلٰهي! ما أوحَشَ طَريقاً لا يَكونُ رَفيقي فيهِ أمَلي فيكَ! وأَبعَدَ سَفَراً لا يَكونُ رَجائي مِنهُ دَليلي مِنكَ! خابَ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ غَيرِكَ، وضَعُفَ رُكنُ مَنِ استَنَدَ إلیٰ غَيرِ رُكنِكَ.
فَيا مُعَلِّمَ مُؤَمِّليهِ الأَمَلَ فَيُذهِبُ عَنهُم كَآبَةَ الوَجَلِ، لا تَحرِمني صالِحَ العَمَلِ، وَاكلَأني كِلاءَةَ مَن فارَقَتهُ الحِيَلُ، فَكَيفَ يَلحَقُ مُؤَمِّليكَ ذُلُّ الفَقرِ، وأَنتَ الغَنِيُّ عَن مَضارِّ المُذنِبينَ؟!
إلٰهي! وإنَّ كُلَّ حَلاوَةٍ مُنقَطِعَةٌ، وحَلاوَةَ الإِيمانِ تَزدادُ حَلاوَتُهَا اتِّصالاً بِكَ.
إلٰهي! وإنَّ قَلبي قَد بَسَطَ أمَلَهُ فيكَ، فَأَذِقهُ مِن حَلاوَةِ بَسطِكَ


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
146

وأَ نَا الحَيُّ الباقي؟! ويَطرُقُ أبوابَ عِبادي وهِيَ مُغلَقَةٌ ويَترُكُ بابي وهُوَ مَفتوحٌ؟! فَمَن ذَا الَّذي رَجاني لِكَثيرِ جُرمِهِ فَخَيَّبتُ رَجاءَهُ؟ جَعَلتُ آمالَ عِبادي مُتَّصِلَةً بي، وجَعَلتُ رَجاءَهُم مَذخوراً لَهُم عِندي، ومَلَأتُ سَماواتي مِمَّن لا يَمَلُّ تَسبيحي، وأَمَرتُ مَلائِكَتي ألّا يُغلِقُوا الأَبوابَ بَيني وبَينَ عِبادي.
ألَم يَعلَم مَن فَدَحَتهُ نائِبَةٌ مِن نَوائِبي أن لا يَملِكُ أحَدٌ كَشفَها إلّا بِإِذني؟! فَلِمَ يُعرِضُ العَبدُ بِأَمَلِهِ عَنّي وقَد أعطَيتُهُ ما لَم يَسأَلني، فَلَم يَسأَلني وسَأَلَ غَيري؟ أفتَرَاني أبتَدِئُ خَلقي مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ، ثُمَّ اُسأَلُ فَلا اُجيبُ سائِلي؟! أبَخيلٌ أنَا فَيُبَخِّلُني عَبدي؟! أوَ لَيسَ الدُّنيا وَالآخِرَةُ لي؟! أوَ لَيسَ الكَرَمُ وَالجودُ صِفَتي؟! أوَ لَيسَ الفَضلُ وَالرَّحمَةُ بِيَدي؟! أوَ لَيسَ الآمالُ لا تَنتَهي إلّا إلَيَّ، فَمَن يَقطَعُها دوني؟! وما عَسیٰ أن يُؤَمِّلَ المُؤَمِّلونَ مَن سِوايَ؟!
وعِزَّتي وجَلالي! لَو جَمَعتُ آمالَ أهلِ الأَرضِ وَالسَّماءِ ثُمَّ أعطَيتُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُم، ما نَقَصَ مِن مُلكي بَعضُ عُضوِ الذَّرَّةِ، وكَيفَ يَنقُصُ نائِلٌ أنَا أفَضتُهُ؟ يا بُؤساً لِلقانِطينَ مِن رَحمَتي، يا بُؤساً لِمَن عَصاني وتَوَثَّبَ عَلیٰ مَحارمي ولَم يُراقِبني، وَاجتَرَأَ عَلَيَّ.
ثُمَّ قالَ عَلَيهِ وعَلیٰ آلِهِ السَّلامُ لي: يا نَوفُ، اُدعُ بِهٰذَا الدُّعاءِ:
إلٰهي! إن حَمِدتُكَ فَبِمَواهِبِكَ، وإن مَجَّدتُكَ فَبِمُرادِكَ، وإن قَدَّستُكَ فَبِقُوَّتِكَ، وإن هَلَّلتُكَ فَبِقُدرَتِكَ، وإن نَظَرتُ فَإِلیٰ رَحمَتِكَ، وإن عَضَضتُ فَعَلیٰ نِعمَتِكَ.
إلٰهي! إنَّهُ مَن لَم يَشغَلهُ الوُلوعُ بِذِكرِكَ، ولَم يَزوِهِ السَّفَرُ بِقُربِكَ، كانَت حَياتُهُ عَلَيهِ ميتَةً، وميتَتُهُ عَلَيهِ حَسرَةً.

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10743
صفحه از 204
پرینت  ارسال به