113
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

ذَكَراً كانَ أَو أُنثَیٰ، ولَو أَنَّ الجِنِّ وَالإِنسَ أَعداءٌ لِوَلَدِكِ لَكَفاكِ اللّهُ مَؤونَتَهُم وأَخرَسَ عَنكِ أَلسِنَتَهُم وذَلَّلَ لَكِ رِقابَهُم إِن شاءَ اللّهُ.
قَالَت أُمُّ دَاوُدَ: فَكَتَبَ لي هٰذَا الدُّعاءَ وَانصَرَفتُ (إلیٰ) مَنزِلي، ودَخَلَ شَهرُ رَجَبٍ، فَتَوَخَّيتُ الأَيّامَ وصُمتُها، ودَعَوتُ كَما أَمَرَني، وصَلَّيتُ المَغرِبَ وَالعِشاءَ الآخِرَةَ وأَفطَرتُ، ثُمَّ صَلَّيتُ مِنَ اللَّيلِ مَا سَنَحَ لي مرتب (وَ بِتُّ) في لَيلِي، ورَأَيتُ في نَومي كَمَا صَلَّيتُ عَلَيهِ۱ مِنَ المَلائِكَةِ وَالأَنبِياءِ وَالشُّهَداءِ وَالأَبدالِ وَالعُبّادِ، ورَأَيتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه و اله فَإِذَا هُوَ يَقُولُ لي: يا بُنَيَّةُ يا أُمَّ دَاوُدَ، أَبشِرِي، فَكُلُّ مَن تَرَينَ أَعوانُكِ وَإِخوانُكِ وشُفَعاؤُكِ، وكُلُّ مَن تَرَينَ يَستَغفِرونَ لَكِ ويُبَشِّرونَكِ بِنُجحِ حاجَتِكِ، فَأَبشِرِي بِمَغفِرَةِ اللّهِ ورِضوانِهِ، فَجُزيتِ خَيراً عَن نَفسِكِ، وأَبشِرِي بِحِفظِ اللّهِ لِوَلَدِكِ ورَدِّهِ عَلَيكِ إِن شاءَ اللّهُ.
قَالَت أُمُّ دَاوُدَ: فَانتَبَهتُ عَن نَومي، فَوَ اللّهِ ما مَكَثتُ بَعدَ ذٰلِكَ إِلّا مِقدارَ مَسافَةِ الطَّريقِ مِنَ العِراقِ لِلرّاكِبِ المُجِدِّ المُسرِعِ حَتّیٰ قَدِمَ عَلَيَّ دَاوُدُ، فَقالَ: يا أُمَّاه، إِنّي لَمُحتَبَسٌ بِالعِراقِ في أَضيَقِ المَحَابِسِ وعَلَيَّ ثِقلُ الحَديدِ، وأَنَا في حالِ اليَأسِ مِنَ الخَلاصِ، إِذ نِمتُ في لَيلَةِ النِّصفِ مِن رَجَبٍ فَرَأَيتُ الدُّنيا قَد خُفِضَت لي حَتّیٰ رَأَيتُكِ في حَصيرٍ فِي صَلاتِكِ وَحَولَكِ رِجالٌ رُؤُوسُهُم فِي السَّماءِ وأَرجُلُهُم فِي الأَرضِ، عَلَيهِم ثِيابٌ خُضرٌ يُسَبِّحونَ مِن حَولِكِ، وَقالَ قَائِلٌ جَمِيلُ الوَجهِ (حِليَتُهُ) حِليَةُ النَّبِيِّ صلی الله علیه و اله، نَظِيفُ الثَّوبِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الكَلامِ، فَقالَ يَابنَ العَجُوزِ الصّالِحَةِ، أَبشِر فَقَد أَجابَ اللّهُ عزّ و جل دُعاءَ أُمِّكَ. فَانَتَبهُت فَإِذا أَنَا بِرَسولِ أبِي الدَّوانِيقِ، فَأُدخِلتُ عَلَيهِ مِنَ اللَّيلِ فَأَمَرَ بِفَكِّ حَديدي وَالإِحسانِ إِلَيَّ، وَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ و أَن أُحمَلَ عَلیٰ نَجِيبٍ وَأُستَسعیٰ بِأَشَدِّ السَّيرِ. فَأَسرَعتُ حَتّیٰ دَخَلتُ إِلَى المَدينَةِ.

1.. الظاهر أنّ الصحيح: «كلّ مَن صلّيتُ عليهم» كما في الإقبال هامش المصدر.


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
112

قَالَ: يا أُمَّ داوُدَ، فَقَد دَنا هٰذَا الشَّهرُ الحَرامُ ـــ يُرِيدُ شَهرَ رَجَبٍ ـــ وَهُوَ شَهرٌ مُبارَكٌ عَظِيمُ الحُرمَةِ، مَسموعُ الدُّعاءِ فيهِ، فَصومِي مِنهُ ثَلاثَةَ أَيّامٍ: الثّالِثَ عَشَرَ وَالرّابِعَ عَشَرَ وَالخامِسَ عَشَرَ، وَهِيَ الأَيّامُ البيضُ، ثُمَّ اغتَسِلي في يَومِ النِّصفِ مِنهُ عِندَ زَوالِ الشَّمسِ، وصَلِّي الزَّوالَ ثَمانَ رَكَعاتٍ تُرسِلينَ فيهِنَّ وتُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وسُجودَهُنَّ وقُنوتَهُنَّ، تُقرَأُ فِي الرَّكعَةِ الأُولیٰ بِفاتِحَةِ الكِتَابِ و«قُل يا أَيُّهَا الكَافِرونَ»، وفِي الثّانِيَةِ «قُل هُوَ اللّهُ أَحَدٌ»، وفِي السِّتِّ البَواقي مِنَ السُّوَرِ القِصارِ ما أَحبَبتِ، ثُمَّ تُصَلّينَ الظُّهرَ، ثُمَّ تَركَعينَ بَعدَ الظُّهرِ ثَمانَ رَكَعاتٍ تُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وسُجُودَهُنَّ وقُنوتَهُنَّ، وَلتَكُن صَلاَتُكِ في أَطهَرِ أَثوابِكِ، فِي بَيتٍ نَظيفٍ عَلیٰ حَصيرٍ نَظيفٍ، وَاستَعمِلِي الطّيبَ فَإِنَّهُ تُحِبُّهُ المَلائِكَةُ، وَاجتَهِدي أَن لا يَدخُلَ عَلَيكِ أَحَدٌ يُكَلِّمُكِ أَو يَشغَلُكِ.
ـــ [قال المصنّف: ابنُ] الباقي ذَكَر في كتابِ عَمَلِ السنة، ما كتبتُ هاهنا، مَن أرادَ أن يكتب فليكتب من عَمَلِ السنة ـــ.
فَإِذا فَرَغتِ مِنَ الدُّعاءِ فَاسجُدي عَلَى الأَرضِ وعَفِّري خَدَّيكِ عَلَى الأَرضِ، وقولِي:
لَكَ سَجَدتُ وَبِكَ آمَنتُ فَارحَم ذُلِّي وَفَاقَتِي وَكَبوَتِي لِوَجهِي.
وَاجهَدي أَن تسبح (تَسُحَّ) عَيناكِ ولَو مِقدارَ رَأسِ الذُّبابِ دُموعاً؛ فَإِنَّهُ آيَةُ إِجابَةِ هٰذَا الدُّعاءِ حُرقَةُ القَلبِ وَانسِكابُ العَبرَةِ، فَاحفَظي مَا عَلَّمتُكِ ثُمَّ احذَري أَن يَخرُجَ عَن يَدَيكِ إِلى يَدِ غَيرِكِ مِمَّن يَدعو بِهِ لِغَيرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّهُ دُعاءٌ شَريفٌ وفيهِ اسمُ اللّهِ الأَعظَمُ الَّذي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجابَ وَأَعطیٰ، ولَو أَنَّ السَّماواتِ وَالأرضَ كانَتَا رَتقاً وَالبِحارُ بِأَجمَعِها مِن دُونِها، وكانَ ذٰلِكَ كُلُّهُ بَينَكِ وبَينَ حاجَتِكِ، يُسَهِّلُ اللّهُ عزّ و جل الوُصولَ إِلیٰ ما تُريدينَ، وَأَعطاكِ طَلِبَتَكِ وقَضیٰ لَكِ حاجَتَكِ وَبَلَّغَكِ آمالَكِ، ولِكُلِّ مَن دَعا بِهٰذَا الدُّعاءِ الإِجابَةُ مِنَ اللّهِ تَعَالیٰ

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10849
صفحه از 204
پرینت  ارسال به