ذَكَراً كانَ أَو أُنثَیٰ، ولَو أَنَّ الجِنِّ وَالإِنسَ أَعداءٌ لِوَلَدِكِ لَكَفاكِ اللّهُ مَؤونَتَهُم وأَخرَسَ عَنكِ أَلسِنَتَهُم وذَلَّلَ لَكِ رِقابَهُم إِن شاءَ اللّهُ.
قَالَت أُمُّ دَاوُدَ: فَكَتَبَ لي هٰذَا الدُّعاءَ وَانصَرَفتُ (إلیٰ) مَنزِلي، ودَخَلَ شَهرُ رَجَبٍ، فَتَوَخَّيتُ الأَيّامَ وصُمتُها، ودَعَوتُ كَما أَمَرَني، وصَلَّيتُ المَغرِبَ وَالعِشاءَ الآخِرَةَ وأَفطَرتُ، ثُمَّ صَلَّيتُ مِنَ اللَّيلِ مَا سَنَحَ لي مرتب (وَ بِتُّ) في لَيلِي، ورَأَيتُ في نَومي كَمَا صَلَّيتُ عَلَيهِ۱ مِنَ المَلائِكَةِ وَالأَنبِياءِ وَالشُّهَداءِ وَالأَبدالِ وَالعُبّادِ، ورَأَيتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه و اله فَإِذَا هُوَ يَقُولُ لي: يا بُنَيَّةُ يا أُمَّ دَاوُدَ، أَبشِرِي، فَكُلُّ مَن تَرَينَ أَعوانُكِ وَإِخوانُكِ وشُفَعاؤُكِ، وكُلُّ مَن تَرَينَ يَستَغفِرونَ لَكِ ويُبَشِّرونَكِ بِنُجحِ حاجَتِكِ، فَأَبشِرِي بِمَغفِرَةِ اللّهِ ورِضوانِهِ، فَجُزيتِ خَيراً عَن نَفسِكِ، وأَبشِرِي بِحِفظِ اللّهِ لِوَلَدِكِ ورَدِّهِ عَلَيكِ إِن شاءَ اللّهُ.
قَالَت أُمُّ دَاوُدَ: فَانتَبَهتُ عَن نَومي، فَوَ اللّهِ ما مَكَثتُ بَعدَ ذٰلِكَ إِلّا مِقدارَ مَسافَةِ الطَّريقِ مِنَ العِراقِ لِلرّاكِبِ المُجِدِّ المُسرِعِ حَتّیٰ قَدِمَ عَلَيَّ دَاوُدُ، فَقالَ: يا أُمَّاه، إِنّي لَمُحتَبَسٌ بِالعِراقِ في أَضيَقِ المَحَابِسِ وعَلَيَّ ثِقلُ الحَديدِ، وأَنَا في حالِ اليَأسِ مِنَ الخَلاصِ، إِذ نِمتُ في لَيلَةِ النِّصفِ مِن رَجَبٍ فَرَأَيتُ الدُّنيا قَد خُفِضَت لي حَتّیٰ رَأَيتُكِ في حَصيرٍ فِي صَلاتِكِ وَحَولَكِ رِجالٌ رُؤُوسُهُم فِي السَّماءِ وأَرجُلُهُم فِي الأَرضِ، عَلَيهِم ثِيابٌ خُضرٌ يُسَبِّحونَ مِن حَولِكِ، وَقالَ قَائِلٌ جَمِيلُ الوَجهِ (حِليَتُهُ) حِليَةُ النَّبِيِّ صلی الله علیه و اله، نَظِيفُ الثَّوبِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الكَلامِ، فَقالَ يَابنَ العَجُوزِ الصّالِحَةِ، أَبشِر فَقَد أَجابَ اللّهُ عزّ و جل دُعاءَ أُمِّكَ. فَانَتَبهُت فَإِذا أَنَا بِرَسولِ أبِي الدَّوانِيقِ، فَأُدخِلتُ عَلَيهِ مِنَ اللَّيلِ فَأَمَرَ بِفَكِّ حَديدي وَالإِحسانِ إِلَيَّ، وَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ و أَن أُحمَلَ عَلیٰ نَجِيبٍ وَأُستَسعیٰ بِأَشَدِّ السَّيرِ. فَأَسرَعتُ حَتّیٰ دَخَلتُ إِلَى المَدينَةِ.