هذه القمّة المعرفية بمقدار ما يبذلونه من جهود. قال آية اللّٰه الشيخ محمّد تقي بهجت عن أقل وأعلى درجات لقاء اللّٰه سبحانه:

۰.أول مرتبة لقاء اللّٰه [للعبد] هي أن تحصل له الاُلفة والاطمئنان وهو يصلّي، وأعلى مرتبة لقاء اللّٰه حالة اُشير إليها في حديث (قرب النوافل).

والمراد بحديث (قرب النوافل) هو الحديث الوارد في كتب الشيعة وأهل السنّة باختلاف بسيط في لفظه، وفيما يلي نصّه:

۰.ما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدٌ بِشَي‏ءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضتُ عَلَيهِ، وَإِنَّهُ ليتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنّافِلَةِ حَتّی اُحِبَّهُ، فَإذا أَحبَبتُهُ کُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ، ولِسانَهُ الَّذي يَنطِقُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يبطِشُ بِها، إن دَعاني أَجَبتُهُ، وَإن سَأَلَني أَعطَيتُهُ^۱.^۲

وهذا يعني أنّه في أعلى درجات المعرفة الشهودية يتجلّى اللّٰه لقلب السالك بنحوٍ يرى فيه إرادته وقد فنيت في إرادة الحق، فيشعر حينذاك بأنّ جميع أفعاله وحركاته وسكناته تستند إلى اللّٰه تعالى، وهكذا يدرك المعنى الحقيقي لـ «لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلّا باللّٰه‏»، وببلوغه هذه الدرجة من الشهود يصبح مستجاب الدعوة، وتغدو إرادته مؤثّرة في العالم بإذن اللّٰه.

فلو تمكّن المعتكف من بلوغ هذه الغاية السامية ولو للحظة واحدة، سيدرك حینئذٍ قصد أولياء اللّٰه والمفهوم الزاخر بالمعاني لهذا المقطع ـــ الذي يخاطب البارئ تعالى ـــ من المناجاة الشعبانية:

۰.إلٰهي هَب لي کَمالَ الانقِطاعِ إليكَ، وأنِر أبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ

أن تأخذ بيد المعتكف، وهو ما ورد ذكره في الفصل السادس من هذا الکتاب.

مراتب بركات ذكر اللّٰه

أشرنا سابقاً^۱ إلى أنّ حكمة الاعتكاف تکمن في التوجّه المنقطع إلى اللّٰه سبحانه، والصدّ عمّن سواه، فلذكره جلّ وعلا بركات وافرة في حياة الإنسان المادّية والمعنوية، وبخاصّة وهو يذكر اللّٰه سبحانه في بيته وفي أعلى درجات الصيام^۲.

وحقيقة ذكر اللّٰه هي التوجّه القلبي المنبعث من المعرفة الحقّة به مع إدراك عمق المسؤولية^۳، وكلما غدت هذه المعرفة أكثر كمالاً، فاز المعتكف ببركات أكثر.

بركات ذكر اللّٰه سبحانه سنعرضها بالتفصيل في بحثٍ مستقلّ^۴، وسنقتصر هنا على إشارة موجزة إلى أعلى درجاتها.

أعلى مراتب بركات الذكر

أعلى مراتب بركات ذكر اللّٰه سبحانه هي المعرفة الشهودية واللقاء القلبي مع اللّٰه جلّ وعلا، ويسمّى «لقاء اللّٰه»، مثلما ورد مراراً عن أهل البيت علیهم السلام بأنّهم لا يعبدون ربّاً لا يرونه^۵.

وينبغي الالتفات إلى أنّ للمعرفة الشهودية ورؤية اللّٰه ببصیرة القلب درجات نال أهل البيت علیهم السلام أعلاها سمّواً، وفي وسع الآخرين الاقتراب من