179
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

كُلِّ عامٍ، وقَد أسبَغتَ عَلَيَّ مَلابِسَ الإِنعامِ، ثُمَّ رَزَقتَني مِن ألطافِ المَعاشِ، وأَصنافِ الرِّياشِ، وكَنَفتَني بِالرِّعايَةِ في جَميعِ مَذاهِبي، وبَلَّغتَني ما اُحاوِلُ مِن سائِرِ مَطالِبي إتماماً لِنِعمَتِكَ لَدَيَّ، وإيجاباً لِحُجَّتِكَ عَلَيَّ، وذٰلِكَ أكثَرُ مِن أن يُحصِيَهُ القائِلونَ، أو يُثنِيَ بِشُكرِهِ العامِلونَ، فَخالَفتُ ما يُقَرِّبُني مِنكَ، وَاقتَرَفتُ ما يُباعِدُني عَنكَ، فَظاهَرتَ عَلَيَّ جَميلَ سِترِكَ، وأَدنَيتَني بِحُسنِ نَظَرِكَ وبِرِّكَ، ولَم يُباعِدني عَن إحسانِكَ تَعَرُّضي لِعِصيانِكَ، بَل تابَعتَ عَلَيَّ في نِعَمِكَ، وعُدتَ بِفَضلِكَ وكَرَمِكَ [بَل تابعتَ عَلَيَّ كرمَكَ وَإنعامَكَ، وعُدتَ عَليَّ فضلَكَ وعَوائِدَ إحسانِكَ]، فَإِن دَعَوتُكَ أجَبتَني، وإن سَأَلتُكَ أعطَيتَني، وإن شَكَرتُكَ زِدتَني، وإن أمسَكتُ عَن مَسأَلَتِكَ ابتَدَأتَني، فَلَكَ الحَمدُ عَلیٰ بَوادي أياديكَ وتَواليها، حَمداً يُضاهي آلاءَكَ ويُكافيها.
سَيِّدي! سَتَرتَ عَلَيَّ فِي الدُّنيا ذُنوباً ضاقَ عَلَيَّ مِنهَا المَخرَجُ، وأَ نَا إلیٰ سَترِها عَلَيَّ فِي القِيامَةِ أحوَجُ، فَيامَن جَلَّلَني بِسِترِهِ عَن لَواحِظِ المُتَوَسِّمينَ، لا تُزِل سِترَكَ عَنّي عَلیٰ رُؤوسِ العالَمينَ.
سَيِّدي! أعطَيتَني فَأَسنَيتَ۱ حَظّي، وحَفِظتَني فَأَحسَنتَ حِفظي، وغَذَّيتَني فَأَنعَمتَ غِذائي، وحَبَوتَني فَأَكرَمتَ مَثوايَ، وتَوَلَّيتَني بِفَوائِدِ البِرِّ وَالإِكرامِ، وخَصَصتَني بِنَوافِلِ الفَضلِ وَالإِنعامِ، فَلَكَ الحَمدُ عَلیٰ جَزيلِ جودِكَ، ونَوافِلِ مَزيدِكَ، حَمداً جامِعاً لِشُكرِكَ الواجِبِ، مانِعاً مِن عَذابِكَ الواصِبِ۲، مُكافِئاً لِما بَذَلتَهُ مِن أقسامِ المَواهِبِ.
سَيِّديٰ عَوَّدتَني إسعافي بِكُلِّ ما أسأَلُكَ، وإجابَتي إلیٰ تَسهيلِ كُلِّ ما اُحاوِلُهُ، وأَ نَا أعتَمِدُكَ في كُلِّ ما يَعرِضُ لي مِنَ الحاجاتِ،

1.. السناءُ: ارتفاع القدر والمنزلة عند اللّه‏ تعالى (مجمع البحرين: ج۲ ص۸۹۶ «سنا»).

2.. الواصِبُ: الواجِبُ الثابِتُ (مجمع البحرين: ج۳ ص۱۹۴۰ «وصب»).


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
178

سَيِّدي! لَولا تَوفيقُكَ ضَلَّ الحائِرونَ، ولَولا تَسديدُكَ لَم يَنجُ المُستَبصِرونَ، أنتَ سَهَّلتَ لَهُمُ السَّبيلَ حَتّى وَصَلوا، وأَنتَ أيَّدتَهُم بِالتَّقویٰ حَتّیٰ عَمِلوا، فَالنِّعمَةُ عَلَيهِم مِنكَ جَزيلَةٌ، وَالمِنَّةُ مِنكَ لَدَيهِم مَوصولَةٌ.
سَيِّدي! أسأَ لُكَ مَسأَلَةَ مِسكينٍ ضارِعٍ۱، مُستَكينٍ خاضِعٍ، أن تَجعَلَني مِنَ الموقِنينَ خُبراً وفَهماً، وَالمُحيطينَ مَعرِفَةً وعِلماً.
[إلٰهي وسَيِّدِي! قَد عَلِمتُ] أنَّكَ لَم تُنزِل كُتُبَكَ إلّا بِالحَقِّ، ولَم تُرسِل رُسُلَكَ إلّا بِالصِّدقِ، ولَم تَترُك عِبادَكَ هَمَلاً ولا سُدیٰ، ولَم تَدَعهُم بِغَيرِ بَيانٍ ولا هُدیٰ۲، ولَم تَرضَ مِنهُم بِالجَهالَةِ وَالإِضاعَةِ، بَل خَلَقتَهُم لِيَعبُدوكَ، ورَزَقتَهُم لِيَحمَدوكَ ودَلَلتَهُم عَلیٰ وَحدانِيَّتِكَ لِيُوَحِّدوكَ، ولَم تُكَلِّفهُم مِنَ الأَمرِ ما لا يُطيقونَ، ولَم تُخاطِبهُم بِما يَجهَلونَ، بَل هُم بِمَنهَجِكَ عالِمونَ، وبِحُجَّتِكَ مَخصوصونَ، أمرُكَ فيهِم نافِذٌ، وقَهرُكَ بِنَواصيهِم آخِذٌ، تَجتَبي مَن تَشاءُ فَتُدنيهِ، وتَهدي مَن أنابَ إلَيكَ مِن مَعاصيكَ فَتُنجيهِ، تَفَضُّلاً مِنكَ بِجَسيمِ نِعمَتِكَ عَلیٰ مَن أدخَلتَهُ في سَعَةِ رَحمَتِكَ، يا أكرَمَ الأَكرَمينَ، وأَرأَفَ الرّاحِمينَ.
سَيِّدي! خَلَقتَني فَأَكمَلتَ تَقديري، وصَوَّرتَني فَأَحسَنتَ تَصويري، فَصِرتُ بَعدَ العَدَمِ مَوجوداً، وبَعدَ المَغيبِ شَهيداً، وجَعَلتَني بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ تامّاً سَوِيّاً، وحَفِظتَني فِي المَهدِ طِفلاً صَبِيّاً، ورَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ سائِغاً هَنيئاً، ثُمَّ وَهَبتَ لي رَحمَةَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ، وعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ وَالمُرَبِّياتِ، كافِياً لي شُرورَ الإِنسِ وَالجانِّ، مُسَلِّماً لي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ، حَتّیٰ أفصَحتُ ناطِقاً بِالكَلامِ، ثُمَّ أنبَتَّني [أنمَيتَني] زائِدَاً في

1.. الضارِعٌ: النَّحيفُ الضاوي الجِسم (النهاية: ج۳ ص۸۴ «ضرع»).

2.. زاد هنا في نسخة: «ولَم تأمُرهُم إلّا بِالطاعَةِ».

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10842
صفحه از 204
پرینت  ارسال به