إلٰهي! تَناهَت أبصارُ النّاظِرينَ إلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ، وطالَعَت أصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ، فَلَم يَلقَ أبصارَهُم رَدٌّ دونَ ما يُريدونُ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ، فَسَكَنوا في نورِكَ، وتَنَفَّسوا بِرَوحِكَ، فَصارَت قُلوبُهُم مَغارِسَ لِهَيبَتِكَ، وأَبصارُهُم مَآكِفَ لِقُدرَتِكَ، وقَرَّبتَ أرواحَهُم مِن قُدسِكَ، فَجالَسُوا اسمَكَ بِوَقارِ المُجالَسَةِ وخُضوعِ المُخاطَبَةِ، فَأَقبَلتَ إلَيهِم إقبالَ الشَّفيقِ، وأَنصَتَّ لَهُم إنصاتَ الرَّفيقِ، وأَجَبتَهُم إجاباتِ الأَحِبّاءِ، وناجَيتَهُم مُناجاةَ الأَخِلّاءِ.
فَبَلِّغ بِيَ المَحَلَّ الَّذي إلَيهِ وَصَلوا، وَانقُلني مِن ذِكري إلیٰ ذِكرِكَ، ولا تَترُك بَيني وبَينَ مَلَكوتِ عِزِّكَ باباً إلّا فَتَحتَهُ، ولا حِجاباً مِن حُجُبِ الغَفلَةِ إلّا هَتَكتَهُ، حَتّیٰ تُقيمَ روحي بَينَ ضِياءِ عَرشِكَ، وتَجعَلَ لَها مَقاماً نُصبَ نورِكَ، إنَّكَ عَلیٰ كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
إلٰهي! ما أوحَشَ طَريقاً لا يَكونُ رَفيقي فيهِ أمَلي فيكَ! وأَبعَدَ سَفَراً لا يَكونُ رَجائي مِنهُ دَليلي مِنكَ! خابَ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ غَيرِكَ، وضَعُفَ رُكنُ مَنِ استَنَدَ إلیٰ غَيرِ رُكنِكَ.
فَيا مُعَلِّمَ مُؤَمِّليهِ الأَمَلَ فَيُذهِبُ عَنهُم كَآبَةَ الوَجَلِ، لا تَحرِمني صالِحَ العَمَلِ، وَاكلَأني كِلاءَةَ مَن فارَقَتهُ الحِيَلُ، فَكَيفَ يَلحَقُ مُؤَمِّليكَ ذُلُّ الفَقرِ، وأَنتَ الغَنِيُّ عَن مَضارِّ المُذنِبينَ؟!
إلٰهي! وإنَّ كُلَّ حَلاوَةٍ مُنقَطِعَةٌ، وحَلاوَةَ الإِيمانِ تَزدادُ حَلاوَتُهَا اتِّصالاً بِكَ.
إلٰهي! وإنَّ قَلبي قَد بَسَطَ أمَلَهُ فيكَ، فَأَذِقهُ مِن حَلاوَةِ بَسطِكَ