9
آداب اميرالمؤمنين عليه السلام المشهور بحديث الأربعمئة

آداب اميرالمؤمنين عليه السلام المشهور بحديث الأربعمئة
8

الفصل الأوّل : بيان منهج قدمائنا

إنّ أصحابنا القدماء رحمهم الله قاموا بتدوين أحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام في القرن الثاني ، وكان ذلك بإرشاد من الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وكانت الكوفة محورا في تأليف الكتب الحديثية ، كما أنَّ عبيد اللّه بن علي الحلبي ۱ هو أوّل من صنّف في هذا المجال ، وعرض كتاب الحلبي على الإمام الصادق عليه السلام فصحّحه ، وقال عليه السلام : «أترى لهؤلاء مثل هذا؟». ۲
ولا يخفى عليك أنَّ الحديث الشيعي غالباً ما كان مكتوبا على خلاف الحديث السنيّ ، فإنّ الغالب فيه هو الرواية دون الكتابة.
ثم إنَّ أصحابنا في كلّ طبقة نقلوا هذه الكتب ، وكان ذلك في أوّل الأمر بتحمل الكتب عن مؤلّفها ، مثل ما نجد أنَّ ابن أبي عمير والحسن بن محبوب وغيرهما نقلوا قسماً كبيراً من هذه الكتب (التي وصف بعضها بالأصل) ونقلت من طبقة إلى طبقة ومن بلد إلى بلد ، فمثلاً أنَّ أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم سافرا إلى الكوفة وتحملا كتب الأصحاب وقاما بنشرها في قم .
ولذلك حينما بدأ البحث العلمي بين الأصحاب كان الكلام في حجّية هذه الكتب وصحّة طريقها والوثوق بصحّة النسخة والاعتماد على راوي الكتاب ، ولكن البحث العلمي في التراث السنّي إنّما كان على الرواة ؛ لأنّهم قاموا بتأليف الكتب في عهد عمر بن عبدالعزيز ، وكان تراثهم على ذاكرة الأشخاص ، ولذلك اضطروا إلى حجّية الخبر تعبداً ، ولكن المباحث الحديثية عند أصحابنا كانت على محورية الكتب وتقويم نسخها وطرقها .
ثمَّ إنَّ أصحابنا قاموا بتأليف كتب الفهارس ، ۳ فجمعوا فيها أسامي كتب الأصحاب مع ذكر الطريق إليها ، وكانت كتب الفهارس على غير المنهج الذي عليه مثل فهرست ابن النديم ، وقد كان ابن النديم وراقا في بغداد ، ولذلك ألّف كتابا في فهرست الكتب التي استنسخها ، ولكن في فهارس الأصحاب كانت جهة من الحجّية بمعنى أنَّ الأصحاب قاموا في الفهارس لبيان الطرق إلى هذه الكتب وتقويم هذه الطرق ، فإنَّ النجاشي عندما يذكر في كتابه أسامي الكتب فيذكر طريقه إليها ، نعم في بعض الموارد لا يذكر طريقاً إلى هذه الكتب ، ومعنى ذلك أنّ الكتاب وصل إليه بالوجادة وليس له طريقا إليها .
وربّما يكون هناك اختلاف بين نسخ الكتب فلذلك كان يهتمّ أصحابنا بالنسخ ، كما يهتمّون بالإسناد ، وهذا هو مراد النجاشي حيث يكرر في كلامه: «له كتاب ، تختلف الروايه
فيه» أو «له كتاب تختلف رواياته» ۴ ، وكذلك كلام ابن نوح ناظر إلى هذه الجهة حيث قال: «ولا تحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة لئلاّ يقع فيه اختلاف» ۵ .
وبالجملة أنَّ قدماء أصحابنا كانوا مصرّين على أن يكون لهم طريق مطمئن إلى الكتب الحديثية ولا يعتمدون على الكتب إذا وصلت إليهم بالوجادة.
فهذه الكتب كانت مشهورة بين الأصحاب ولهم طرق متعددة إليها ، ولكن بعد قيام المشايخ الثلاثة بتأليف الكتب الأربعة اعتنوا أصحابنا بالكتب الأربعة أكثر ولم يهتمّوا بهذه المصادر الأولية حقَّ اهتمامها .
ونحن نذكر مثال عمل القدماء في كتاب الحلبي لوضوح المقام:
إنّ عبيد اللّه الحلبي قام بتأليف كتابه ، وتلقى الأصحاب كتابه بالقبول ، فحمّاد بن عثمان نقل هذا الكتاب عن الحلبي ، وكان اصطلاح قدمائنا هكذا : « كتاب الحلبي برواية حمّاد» ومرادهم: «كتاب الحلبي بنسخة حمّاد » ، وبعد ذلك قام محمّد بن أبي عمير وغيره بتحمل كتاب الحلبي من طريق حمّاد ، فنسخة حمّاد لكتاب الحلبي تحملها ابن أبي عمير ، ۶ ثُمَّ إنّ إبراهيم بن هاشم وغيره تحمل كتاب الحلبي عن طريق ابن أبي عمير ، وبعد ذلك تحمله علي بن إبراهيم عن أبيه ، كما أنّه نقل الكليني عن طريق علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير نسخة حمّاد من كتاب الحلبي .
فتبين أنّ كتاب الحلبي كان في متناول الأصحاب وكلّ طبقة تحملها من شيوخه فأكثر الروايات التي ينتهي سندها إلى عبيد اللّه بن علي الحلبي مأخوذة من هذا الكتاب .
وبذلك يبين مراد الشيخ الصدوق ، حيث قال : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد اللّه السجستاني ، وكتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد . . . ». ۷
وكذلك يظهر وجه الحجّية في كلامه ، حيث قال :
« ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد مااُفتي به وأحكم
بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي». ۸
فإنّ وجه الحجّية في كلامه هو وثوقه بالمصادر الأولية لشهرة هذه المصادر في عصره ، كما أنّه يتّضح كلام ابن قولويه في كامل الزيارات حيث قال : «...لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال » . ۹
فإنّ كلامه ليس في توثيق مشايخه ولا توثيق جميع رجال الكتاب ، بل كان مراده هو الوثوق بالمصادر بمعنى أنَّ هذه المصادر كانت مشهورة ومعروفة ، بحيث حصل له الوثوق بها ، ولذلك نجد أنَّه روي في كتاب كامل الزيارات عمّن اشتهر بالكذب مثل عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم البصري ، والظاهر أنَّ وجه نقل ابن قولويه عن هذا الرجل هو وجود رواية الأصم البصري في كتاب الحسين بن سعيد ، ۱۰ فاعتماد ابن قولويه كان على كتاب الحسين بن سعيد ، وبعبارة اُخرى: لم يكن اعتماد ابن قولويه على وثاقة الأصم البصري ، بل كان اعتماده على وجود هذه الرواية في كتاب الحسين بن سعيد .
فاعتماد الأصحاب في تقويم التراث الحديثي ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمل المشايخ له ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر ، ولذلك نجد أنّه ربّما لم يكن الرجل موثّقا بحسب الاصطلاح ، ولكن الأصحاب اعتمدوا على كتابه مثل ما نجده في كتاب طلحة بن زيد مع أنَّه لم يذكر له توثيق صريح ، ولكن النجاشي صرَّح بأنّ كتابه معتمد ، ۱۱ فإنّه ليس هناك تلازم بين وثاقة المؤلّف والاعتماد على كتابه ؛ لأنَّه ربّما يكون الاعتماد بالكتاب لوجود شواهد خارجية ، كما أنَّ الأصحاب اعتمدوا على نسخة النوفلي لكتاب السكوني ، وليس معنى ذلك ثبوت الوثاقة المصطلحة للنوفلي ، بل المراد الاعتماد على النسخة التي رواها النوفلي
من كتاب السكوني .
وبالجملة أنَّ كلّ ما رواه النوفلي عن السكوني معتبر عند القدماء بخلاف روايات النوفلي عن غير السكوني. ۱۲
وبما أنّ معرفة النسخة المعتمدة تحتاج إلى خبرة خاصّة مع قدرة علمية ـ ولا يمكن ذلك بمجرد العلم بوثاقة الراوي ـ ، فأصحابنا كانوا يعتمدون على المشايخ ، فلذلك لم تكن المشيخة عندهم مساوقاً لمجرد النقل ، بل إنّها تساوق الوثاقة والضبط والدقّة والمتانة العلمية ، فلذا نجد أنَّ ابن نوح ـ في بيان طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد ـ وصف الحسين البزوفري بالشيخ فقط . ۱۳
فالمتحصّل أنَّ قدماء أصحابنا في مجال تقويم التراث الحديثي مضافاً إلى الجانب الرجالي ، كانوا يهتمّون بالجانب الفهرستي ، ويعتمدون على الخبر إذا كان مذكورا في كتب مشهورة مع تحمل المشايخ لها .
والإنصاف أنّه بعد النظر إلى تراثنا الحديثي ـ الذي اتّصف بالنظام الفهرسي ـ يتّضح حال الكثير من روايات أهل البيت عليهم السلام ، ويترتّب على دراسة التراث بهذه الطريقة فوائد مهمّة لايسعنا المقام تفصيل الكلام في هذه الجهة .
ونحن قمنا بتحقيق كتاب آداب أمير المؤمنين عليه السلام ، بهذه الطريقة الفهرسية ، وبسّطنا الكلام في شهرة الكتاب وبيّنا طرق الأصحاب إليه .

1. لقبه الكوفي ، وتسميته بالحلبي ؛ لأنّه كان يتّجر إلى حلب فغلب عليه هذا اللقب .

2. رجال النجاشي : ص ۲۳۱ . وسيأتي بيان أنّ كتاب النجاشي ليس كتابا رجاليا ، بل كتاباً فهرسياً ، نعم تعرّض النجاشي بالمناسبة ما يرجع إلى علم الرجال ، ولكن بما أنّ هذا الكتاب اشتهر بكتاب رجال النجاشي ، فنحن نذكره هكذا .

3. من أشهر هذه الفهارس الفهرست للشيخ الطوسي ؛ وفهرست النجاشي ، وذكرنا أنّ كتاب النجاشي كتاب فهرست وليس كتابا رجاليا وأنّه اشتهر باسم رجال النجاشي .

4. رجال النجاشي : رقم ۱۰۷ ، ۱۰۹ ، ۱۱۵ ، ۱۱۹ ، ۳۰۲ ، ۳۳۴ .

5. رجال النجاشي : الرقم ۱۳۷ نقلاً عن ابن نوح السيرافي .

6. بعبارة اُخرى : كتاب الحلبي بنسخة حمّاد عن طريق محمّد بن أبي عمير .

7. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۲ .

8. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۱ .

9. كامل الزيارات : ص ۲۰ .

10. كامل الزيارات : ص ۲۰۶ . « عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وفي ص ۴۷۰ عن محمّد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن جدّه علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم . . . » .

11. رجال النجاشي : ص ۲۰۷ رقم ۵۵۰ .

12. نعم لنا في التراث الشيعي روايات أصلها كانت بصورة شفوية وليست من كتاب خاص ، ولكن ذكرنا أنّ الغالب في تراث الشيعي هو النقل عن الكتب .

13. على ما نقله النجاشي في رجاله : ص ۵۹ الرقم ۱۳۷ : « . . .أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن سفيان البزوفري . . . » .

  • نام منبع :
    آداب اميرالمؤمنين عليه السلام المشهور بحديث الأربعمئة
    سایر پدیدآورندگان :
    القاسم بن یحیی الراشدی، تحقیق: مهدی خدّامیان الآرانی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1568
صفحه از 294
پرینت  ارسال به