المقدّمة
الحمد للّه ربّ العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خاتم النبيين وآله الأئمّة الهداة المهديين ، ولا سيّما خاتمهم وقائمهم بقية اللّه في العالمين ، والرحمة والرضوان على رواة أحاديثهم المرضيين الذين هم وسائط بينهم وبين شيعتهم ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
ولا ريب أنّ علم الحديث من أهم العلوم الشرعية التي تبتني عليها سعادة الإنسان في الحياة الدنيوية والاُخروية ، وأنّ قدماء أصحابنا رحمهم الله كانوا يهتمّون بحفظ وكتابة أحاديث أهل البيت عليهم السلام اهتماما بالغا وألّفوا كتبا متعددة في هذا المجال ، وجمعوا فيها أحاديثهم عليهم السلام .
كما أنّه دوّن في خصوص أحاديث بحر العلوم ومعدن الحكمة ووارث علم النبيين عليهم السلامومستودع علم الأولين والآخرين وقائد الغرّ المحجّلين نور اللّه الأنور وضياؤه الأظهر أمير المؤمنين عليه السلام كتبا متعددة، وجمع فيها كلماته الشريفة ومن أشهر هذه الكتب كتاب نهج البلاغة الذي ألّفه السيّد الشريف الرضي قدس سره في القرن الرابع ، وكذلك في هذا المجال اُلف أقدم كتاب، وهو كتاب آداب أمير المؤمنين للقاسم بن يحيى الراشدي من أعلام القرن الثاني ، ومن محسنات هذا الكتاب أنّه نقل أحاديث أمير المؤمنين عليه السلام من طريق الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام .
ولا يخفى عليك أنّ هذا الكتاب يطلق عليه حديث الأربعمئة ؛ لأنّ المؤلّف جمع ۴۰۰ حديثا من أحاديث أمير المؤمنين عليه السلام ، فاشتهر بهذا الاسم أيضا .
ولقد منَّ اللّه على الحسن بن راشد حيث جعل كتابه مقبولاً بين الأصحاب ومعتمداً بين المحدّثين والفقهاء ، فأجلاء أصحابنا نقلوا عن هذا الكتاب ، كما أنَّ هذا الكتاب ورد في فهارس الأصحاب وإجازاتهم ، وكان هناك طرق متعددة إلى الكتاب .
فمن النعم التي أنعمها اللّه ـ تبارك وتعالى ـ عليَّ أن وفقني لتحقيق هذا الكتاب فعكفت على دراسته فقدّمت له مقدّمة تناولت فيه حال المؤلّف والكتاب وبيان نسخه واستقصاء جميع طرقه ، ثُمَّ بذلت ما بوسعي لاستخراج مصدر أحاديث هذا الكتاب ، وأشرت فيها إلى
المصادر التي نقلت عنه ، ثُمَّ ذكرت ما يؤيد أحاديث الكتاب .
ويجدر الإشارة إلى أنّ أحاديث هذا الكتاب وصل إلينا بصورتين :
الاُولى : نقلها بلا تقطيع ، فالشيخ الصدوق نقل في آخر الخصال ۳۸۹ حديثا من هذا الكتاب ، وابن شعبة الحراني ۳۴۵ حديثا .
الثانية : نقل بعض أحاديث الكتاب ، فالبرقي في المحاسن نقل ۲۹ حديثا والكليني في الكافي نقل ۴۲ حديثا ، والشيخ الصدوق نقل في كتاب من لا يحضره الفقيه ۱۶ حديثا وفي علل الشرائع ۱۵ حديثا ، كما أنّ الشيخ الطوسي نقل في تهذيب الأحكام ۶ أحاديث .
وقد وفقنا اللّه لإحياء متن الكتاب بجمع أحاديثه ، وذلك عن طريق مراجعة المصادر الحديثية ، واستقصاء ما ورد عن قاسم بن يحيى ، عن جدّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلامثُمَّ قمنا ببيان المصادر التي نقلت من هذا الكتاب .
ونحن بسطنا الكلام في الشواهد التي تشير إلى أنّ هذا الكتاب كان مشهورا بين قدماء أصحابنا ، وذكرنا وجه اعتمادهم على الكتاب على الرغم من أنّ مؤلّف هذا الكتاب لم يوثّق في كتب الرجال ، وإنّ مسلك قدمائنا رحمهم الله في تقويم التراث الحديثي ليس مسلكا رجاليا صرفا ،بل إنّهم كانوا ينظرون إلى التراث نظرة فهرستية . وقد قسمنا المقدّمة إلى فصول أربعة :
الفصل الأول : في بيان منهج قدمائنا .
الفصل الثاني : في بيان حال المؤلّف ، وهو القاسم بن يحيى.
الفصل الثالث: تكلّمنا فيها عن حال الكتاب والطرق إليه وشهرته ومحتواه ومتنه .
الفصل الرابع : في بيان منهجنا في التحقيق ووصف النسخ الخطّية التي اعتمدنا عليها.
ومنه سبحانه وتعالى نستمد العون والتوفيق والتسديد إنّه نعم المولى ونعم المجيب .