91
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

ثمّ إنّ الشارح أظهر تعجبه في شرح المشيخة من فعل المتأخّرين حيث يعدّون الراوي الّذي وصفه عُلَماء الرجال بعبارة «لابأس به» ممدوحاً ويجعلون خبره في سلك الحسان ، لكن لم يتوجهوا إلى وصف الصَدوق مصادر كتابه بـ «كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع» ، فهم يطرحون كثيراً من أخبار الفقيه ؛ لوجود بعض المجهولين أو الضُعَفاء في الإسناد ، وغفلوا من أنّ ذلك الوصف يدلّ على وجود أصل لكلّ روايات الفقيه ، وهذا أحسن للوثوق بصدورها عن الأئمّة عليهم السلام من طريق المتأخّرين ، وهو النظر في كلّ واحد من رجال الإسناد وقبول ما روي بسند رجاله كلّهم ثقات أو ممدوحون . ۱

عذر المشايخ في النقل عن كتب بعض الضُعَفاء

قد تقدّم في العناوين السابقة أنّ الشارح اعتقد صحَّة روايات الكتب الأربعة (يعني صدورها عن الأئمّة عليهم السلام) ؛ لأنّ الروايات المنقولة في هذه الكتب مأخوذة من الاُصول والكتب المعتبرة ، وللمشايخ الثلاثة طرق كثيرة إلى أصحاب الاُصول .
هذا ، ولكن نجد في الكتب الأربعة نقل غير قليل من الروايات عن كتب بعض الضُعَفاء والفاسدين في المذهب ، فمع وجود هذه الروايات من أين اعتقد الشارح الصحَّة؟ وهل يمكن الجزم بصدور هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام؟
فأحسّ الشارح لزوم حلّ هذه المعضلة للمبتدئين في هذا المجال وبيّن هنا أنّ عذر المشايخ في النقل عن هذه الكتب وثاقة مؤلّفيها في النقل ، أو حُسن ترتيب كتبهم مع ما ذكر ، أو لكونهم من مشايخ الإجازة ، أو موافقة رواياتهم الأخبار الصحيحة ، أو لكون الأخبار نقلت عنهم حال الاستقامة .
نذكر فيما يلي بعض عبارات الشارح الصريحة في ذلك المعنى :

1.اُنظر : روضة المتّقين ، ج ۱۴ ، ص ۱۸۳.


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
90

لا يفيد إلاّ الظن ، وكان المدار في علم الرجال الاعتماد على الظن ، ثمّ إنّ الشارح يعتقد أنّ الظن الّذي يحصل من وصف الصَدوقين أخبار كتابيهما بالصحَّة ، أقوى من الظن الّذي يحصل من أقوال أصحاب الرجال ؛ لأنّهم لم يَدّعوا العلم بصدور أخبار الراوي الّذي حكموا بوثاقته ، وكذلك لم يَدّعوا العلم بعدم صدور أخبار الراوي الّذي حكموا بضعفه ، لكن مقتضى حكم الصَدوقين بصحَّة أخبار كتابيهما ، أنّهما يعلمان صدورها عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام .
نعم ، لا يحصل لنا من قولهما العلم الّذي حصل لهما ، لكِنّ الظن الّذي يحصل من ذلك يكون أقوى من الظن الّذي يحصل من أقوال عُلَماء الرجال .
وقد تقدّمت بعض عبارات الشارح في ذلك المعنى حين تكلمنا عن صحَّة روايات الكتب الأربعة ، وإن كانت عباراته خصت برجحان قول الكليني (أي حكمه بصحَّة أحاديث كتابه) على أقوال أصحاب الرجال ، لكِنّ الشارح ـ كما يظهر من العبارات الّتي سنوردها ـ لا يفرق في ذلك بين قوله وقول الصَدوق .
ومن المواضع الّتي صرح فيها الشارح بذلك المعنى وضمّ إليه رجحان حكم الصَدوقين بصحَّة أخبار كتابيهما على حكم المتأخّرين بصحَّة الأحاديث ، قوله في مقدّمة لوامع صاحبقراني ، حيث قال : « . . . يمكن القول أنّ جميع أحاديثهما في كتاب الكافي ، و كتاب من لا يحضره الفقيه صحيحة ، لأنّ شهادة هذين الشَّيخين الجليلين لا تقل عن شهادة أصحاب الرجال يقيناً ، بل هي أفضل منها ؛ وذلك لأنّ ما يسمّيانه صحيحاً فمعنى ذلك أنّ اليقين هو أنّ الأئمّة المعصومين ـ صلوات اللّه عليهم ـ قالوه ، وقد حصل لهما اليقين بوجه من الوجوه ، وما يسمّيه المتأخّرون صحيحاً معناه أنّ الجماعة الّذين رووه كانوا ثقات ، ومن المحتمل كذب وسهو أي واحد منهم» . ۱

1.لوامع صاحبقراني ، ج ۱ ، ص ۱۰۵ . راجع النص الأصلي باللغة الفارسية في نهاية الكتاب ، الملحق رقم ۲ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5395
صفحه از 296
پرینت  ارسال به