71
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

أخي عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال له مراد : جعلت فداك ! خفَّ المسجد .
قال : وممَّ ذلك؟
قال : بهؤلاء الّذين قتلوا ، يعني أصحاب أبي الخطّاب .
قال : فأكبَّ على الأرض مليّاً ثمّ رفع رأسه ، فقال : كلاّ زعم القوم أنّهم لا يصلون» . ۱
وهنالك فرقة يقال لها : المفوضة ، وهم صنف من الغُلاة إلاّ أنّ هناك فروقا بينهم وبين الأصناف الاُخرى من الغلاة ، ويقول الشَّيخ المُفيد رحمه الله في الفرق بينهم وبين الغُلاة : « .. . وقولهم الّذي فارقوا به من سواهم من الغُلاة اعترافهم بحدوث الأئمّة وخلقهم ، ونفي القِدم عنهم ، وإفاضة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أنّ اللّه سبحانه وتعالى تفرّد بخلقهم خاصة ، وأنّه فوّض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال» . ۲
ما تقدّم في معنى الغلوّ والتفويض هو المتعارف عند أصحاب الأئمّة عليهم السلام وعند عدد من القُدَماء ، لكن نجد في بعض عبارات القُدَماء التوسع في معناه حتّى جعلوا مثل نفي السهو عن النَّبي صلى الله عليه و آله في الصلاة غلوّاً ، فكيف ما هو أعلى منه مثل نقل المعجزات عن الأئمّة عليهم السلام ؟ ! يقول الوحيد البهبهاني في ذلك : «إنّ الظاهر أنّ كثيراً من القُدَماء سيّما القمّيين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً حسب معتقدهم حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم ، أو التفويض الّذي اختلف فيه ، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير منه النقائص ، وإظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكونات السماء والأرض ، [ و ] جعلوا كلّ ذلك ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة

1.رجال الكشّي ، ص ۳۰۷ .

2.تصحيح الاعتقاد (مصنّفات الشَّيخ المُفيد ، ج ۵) ، ص ۱۳۳ ـ ۱۳۴ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
70

في معنى الغلوّ ، لكي نعرف موقفهم إزاء صحَّة أو ضعف الأخبار الّتي رواها المرميون بالغلو ، وهل يصح رمي كثير من الرواة في الكتب الرجالية بالغلو أو لا؟ فعقدنا هذا الفصل لذلك .

معنى الغلوّ عند القُدَماء ، ورأي الشارح في ذلك

الغلوّ : بمعنى التجاوز عن الحدّ . والغُلاة هُم الّذين يقولون في شأن الأئمّة عليهم السلامأشياء لا يقر الأئمّة أنفسهم بثبوتها لهم .
يقول الشَّيخ المفيد رحمه الله في تعريف الغُلاة : «هم الّذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته عليهم السلام إلى الاُلوهية والنبوة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ ، وخرجوا عن القصد ، وهم ضُلاّل كُفّار ، حكم فيهم أمير المؤمنين عليه السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم السلام عليهم بالإكفار والخروج عن الإسلام» . ۱
ويقول عبد القاهر البغدادي : «هم الّذين قالوا بإلهية الأئمّة ، وأباحوا محرمات الشريعة ، وأسقطوا وجوب فرائض الشريعة .. . فما هُم من فرق الإسلام وإن كانوا منتسبين إليه» . ۲
وقال بقولهما عدد آخر من العُلَماء ، والقدر المشترك بين عباراتهم : هو أنّ الغُلاة يعتقدون إمّا باُلوهية الأَئمة عليهم السلام أو بنبوّتهم ، وذلك يختلف تبعاً لاختلاف أصنافهم ، وقد حَكَمَ أهلُ البيت بكفرهم وخروجهم عن الإسلام .
وأمّا تحليلهم المحرمات وإسقاطهم وجوب فرائض كالصلاة ، فلعلّ ذلك حال أغلبهم لا كلّهم ، إذ روى الكشّي بإسناده إلى هارون بن خارجة قال : «كنت أنا ومراد

1.تصحيح الاعتقاد (مصنّفات الشَّيخ المُفيد ، ج ۵) ، ص ۱۳۱ .

2.الفَرق بين الفِرَق ، ص ۲۳ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5353
صفحه از 296
پرینت  ارسال به