259
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام، ۱ بينما قسّمته روايات اُخرى إلى ثلاثة أقسام : ثلث فينا وفي عدوّنا ، ثلث سنن وامثال ، وثلث فرائض وأحكام ۲ ، باحتمال ، ثُمَّ استدلّ ببعض الروايات الّتي تدعم وتقوّي وجه الاحتمال الّذي جاء به ، فقد اعتبر المجلسي التقسيم الوارد في هذه الروايات نوعاً من التسامح الّذي تشير إلى أصل التقسيم ، وليس المراد من الربع هو الربع الرياضي ، أو المراد من الثلث ، الثلث الدقيق ، بل يعتقد أنّ الروايات نظرت إلى القرآن من عدّة جوانب وقسّمته من عدّة حيثيات ، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الرواية الثانية الّتي جعلت ثلث القرآن في أهل البيت عليهم السلاموأعدائهم ، إلى قسمين ، فيكون المجموع أربعة أقسام ، وهو ما جاء في الرواية الاُولى . العبارة البليغة الّتي كتبها المجلسي رحمه الله والرواية المؤيّدة لها كالتالي : «فيجمع بينهما بأنّه أربعة أقسام ولا يجب أن تكون مساوية فأحدهما على القسمة ، الحقيقية أو كلاهما على مجرّد القسمة ، كما روي أيضا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ القرآن نزل أربعة أرباع ، ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم . ۳
وبعبارة اُخرى : أنّ ما تريد هذه الروايات قوله : هو أنّ القرآن ليس بحثاً فقهياً أو أخلاقياً أو تاريخياً بحتاً مع أنّه ينطوي على هذه الموضوعات كلّها ، وهو قادر على ما تميّز به من خصائص يتفرّد بها على مخاطبة جميع الناس ، واستخدام كُلّ الأدوات وكلّ مجالات الحياة من أجل هداية الناس ، إلاّ أنّ هذه الموضوعات لم ترد فيه على نحو منظم ومنفصل وبنِسَبٍ متساوية ، كما في القرآن فإنّنا نجد أنّ القرآن استفاد من كُلّ سورة ، بل من كُلّ آية من آياته على قدر يتناسب مع الحاجة من كُلّ واحد من الموضوعات الأربعة . وهو يتصف بالتنوّع والدقّة مع الحفاظ على الانسجام

1.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۳۶ .

2.المصدر السابق ، ص ۱۳۶ .

3.المصدر السابق ، ص ۱۳۶ و ۱۳۷ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
258

العربية وعلم الفقه . ولذلك فقد أظهر مسألة حل الأخبار المختلفة باعتبارها واحدة من أهم مباحث فقه الحديث .
يهتمّ المجلسي رحمه الله عادة بجمع الأدلة في أوّل الأمر ، وإذا تعذّر عليه ذلك يتّجه إلى التخيير وهو ما نصّت عليه بعض الروايات ، وسار عليه محدّثون كبار من المتقدّمين كالكليني ۱ . فقد أشار في مسألة كفارة حنث العهد والنذر إلى ما قام به الشَّيخ الطوسي في الجمع بين الأخبار ، وقال ما يلي : «وأمّا النذر فجمع الشَّيخ بين الأخبار بالضرورة وغيرها وأيّده بخبر جميل ولا دلالة له كما ذكرناه ، ۲ فالتخيير هو الأظهر وإن كان ما ذكر أحوط وسيجيء أخبار اُخر» . ۳
يظهر المجلسي رحمه الله أنّه يستطيع الحصول على الأخبار الّتي نطلق عليها تسمية شاهد الجمع ، ويستطيع عن طريقها تقديم جمع مقبول وعرفي . فبعد أن نقل أخباراً متعددة ومخالفة لهذه المسألة ، أي مسألة النذور واليمين ، جاء بحديث يؤيد فيه الرأي النهائي للشَّيخ الصَّدوق ، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، وقال بعد ذكره بتمامه : «فظهر من هذا الخبر أنّ المباح الراجح يقع عليه اليمين والمرجوح لا يقع عليه وبه تجمع بين الأخبار» . ۴
وهذا لا يعني أنّ المجلسي لا يحتمل أنّه قادر على الإبداع ، ولا يحرص على إيجاد وجوه للجمع بين الأخبار الّتي لا يمكن حل تعارضها بسهولة . فقد جاء في مسألة تقسيم القرآن حيث قسّمته بعض الروايات إلى أربعة أقسام : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ،

1.اُنظر : الكافي ، ج ۱ ، ص ۹ ، حديث «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» .

2.يقصد خبر جميل بن صالح عن الإمام الكاظم عليه السلام بهذا المعنى : كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفّارة يمينٍ . الّذي أورده المجلسي رحمه الله في الصفحة السابقة ، ويعتبره دالاًّ على الاستحباب .

3.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۳۱ .

4.المصدر السابق ، ص ۳۸ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5676
صفحه از 296
پرینت  ارسال به