الاستحباب والنهي في الكراهة ، فالمجاز كان شائعاً وما كان الإمام يرى فائدة في التصريح باستحباب أمر معيّن ؛ وذلك لأنّه يعلم بأن المخاطب ينظر إلى الواجب والمستحب برؤية أنّ هذين العملين محبوبان ومرغوبان عند اللّه ، ويؤديهما كليهما . هذه الاُمور الدقيقة هي الّتي تُبرز المحدّث وترفعه من مرحلة قراءة الحديث ونقل الحديث إلى منزلة الدراية والفقاهة في الحديث ، وتخلق لديه القدرة على الفهم العميق للأخبار والجمع بين موارد التعارض والاختلاف سواءً كانت هذه الموارد صغرى أو كبرى ، وخفيّة كانت أم علنية .
والمثال الآخر على ذلك هو حديث دخول الابن الحمّام مع أبيه ، حيث يعتبره المجلسي رحمه الله متعلّقاً بالزمن الماضي ، حيث لم يكن لدى عوام الناس مئزراً أو ساتراً ، أو أنّهم كانوا يخلعونه عند دخول الحمّام . وقد استفاد المجلسي هنا من التعليل الّذي جاء في المتن ، وقال : «ورد الأخبار بالنهي عن إدخال الولد معه في الحمّام ؛ لئلاّ يقطع نظر الرجل إلى عورة أبيه وبالعكس» . ۱
۳ . القرائن اللفظية المنفصلة ( فصيلة الحديث )
إنّ أكثر ولعلّ أهم القرائن المفيدة في عملية البحث لفهم مقصود الحديث هي القرائن اللفظية المنفصلة ، فنحن عندما نسمع كلاماً تستحضر عادة مسموعاتنا السابقة خاصّة الكلمات الاُخرى المشابهة الّتي قالها المتكلّم ، إذ إنّ ذلك يضفي على كلامه مزيداً من الوضوح ، أو يعيّن دائرته وحدوده . وفي مجال الحديث نظراً إلى أنّ نور الأئمّة عليهم السلام واحد ، ومنشأ علمهم ومنهل حكمتهم واحد ، فإنّ دائرة البحث عن هذه القرائن تمتد إلى ماهو أبعد من كلام المتحدّث ، ويمكن بل ويتعيّن النظر في أحاديث ومجموعة كلام الأئمّة الآخرين والسعي لاقتناص القرائن منها ، فقد قالوا هم أنفسهم :