251
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

إنّا إن تحدّثنا ، حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة ، إنّا عن اللّه ورسوله نحدّث ولا نقول : قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا ، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا وكلام أوّلنا مصادق لكلام آخرنا . ۱
وعلى هذا الأساس فإنَّ فهم مضمون الحديث وإصدار الحكم النهائي وإيجاد الحجّة الشرعية ، يتطلب جمع كُلّ الأحاديث المشابهة وذات المضمون الواحد الّتي تتعلّق بالسؤال والموضوع المطروح على بساط البحث ، ثُمَّ يوجه النظر إلى الأحاديث المختلفة والمتعارضة والناسخة . وقد أطلقنا على المجموعة الاُولى ، أي الأحاديث ذات المضمون الواحد اسم «فصيلة الحديث» وتحدّثنا في موضع آخر عن ضرورة تشكيل مثل هذه الفصيلة والفوائد المتعددة الّتي تحصل من هذا العمل . ۲ وأكّدنا هناك أنّ محدّثي الشيعة أكّدوا على هذا المنهج ، وهو جمع روايات الموضوع الواحد جهد الإمكان لأجل شرحها وتبيينها واستخلاص النتيجة منها ، وساروا عليه منذ بداية ظهور المجموعات الحديثية القديمة كمحاسن البرقي ، والكافي للكليني ، وتهذيب الأحكام للشَّيخ الطوسي ، وكتاب من لا يحضره الفقيه للشَّيخ الصَّدوق ، إلى المجموعات المتأخّرة مثل بحار الأنوار ، ووسائل الشيعة وحتّى الكتب الحديثية ذات الموضوع الواحد ، حيث كانت تُطبّق فيها على الدوام النظرة الموضوعية إلى الحديث ، وجمع الأحاديث المتشابهة المضمون في موضع واحد . والشروح الّتي قام بها الفيض الكاشاني على الكتب الأربعة ، وعمله الضخم في توحيدها كان جوهره الجمع الموضوعي لهذه الكتب ، وقد جاءت الشروح اللغوية ، والتأويلات وطريقة جمع الأخبار المتعارضة والمتناقضة إلى جانب ، وفي ظل هذا الجمع الموضوعي .
ولهذا لا نبالغ لو قلنا بأنّ النهج الّذي سار عليه شارحنا الكبير الّذي نتحدّث عنه ، وهو المجلسي الأوّل رحمه الله يتركز على اقتناص الأحاديث ذات الموضوع الواحد وذات

1.رجال الكشّي ، ج ۲ ، ص ۴۹۰ ، الرقم ۴۰۱ .

2.اُنظر : روش فهم حديث (منهج فهم الحديث) ، عبدالهادي المسعودي ، باب مسار فهم الحديث ، فصل خانواده حديث (فصيلة الحديث) .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
250

الاستحباب والنهي في الكراهة ، فالمجاز كان شائعاً وما كان الإمام يرى فائدة في التصريح باستحباب أمر معيّن ؛ وذلك لأنّه يعلم بأن المخاطب ينظر إلى الواجب والمستحب برؤية أنّ هذين العملين محبوبان ومرغوبان عند اللّه ، ويؤديهما كليهما . هذه الاُمور الدقيقة هي الّتي تُبرز المحدّث وترفعه من مرحلة قراءة الحديث ونقل الحديث إلى منزلة الدراية والفقاهة في الحديث ، وتخلق لديه القدرة على الفهم العميق للأخبار والجمع بين موارد التعارض والاختلاف سواءً كانت هذه الموارد صغرى أو كبرى ، وخفيّة كانت أم علنية .
والمثال الآخر على ذلك هو حديث دخول الابن الحمّام مع أبيه ، حيث يعتبره المجلسي رحمه الله متعلّقاً بالزمن الماضي ، حيث لم يكن لدى عوام الناس مئزراً أو ساتراً ، أو أنّهم كانوا يخلعونه عند دخول الحمّام . وقد استفاد المجلسي هنا من التعليل الّذي جاء في المتن ، وقال : «ورد الأخبار بالنهي عن إدخال الولد معه في الحمّام ؛ لئلاّ يقطع نظر الرجل إلى عورة أبيه وبالعكس» . ۱

۳ . القرائن اللفظية المنفصلة ( فصيلة الحديث )

إنّ أكثر ولعلّ أهم القرائن المفيدة في عملية البحث لفهم مقصود الحديث هي القرائن اللفظية المنفصلة ، فنحن عندما نسمع كلاماً تستحضر عادة مسموعاتنا السابقة خاصّة الكلمات الاُخرى المشابهة الّتي قالها المتكلّم ، إذ إنّ ذلك يضفي على كلامه مزيداً من الوضوح ، أو يعيّن دائرته وحدوده . وفي مجال الحديث نظراً إلى أنّ نور الأئمّة عليهم السلام واحد ، ومنشأ علمهم ومنهل حكمتهم واحد ، فإنّ دائرة البحث عن هذه القرائن تمتد إلى ماهو أبعد من كلام المتحدّث ، ويمكن بل ويتعيّن النظر في أحاديث ومجموعة كلام الأئمّة الآخرين والسعي لاقتناص القرائن منها ، فقد قالوا هم أنفسهم :

1.روضة الواعظين ، ج ۱ ، ص ۲۹۵ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5672
صفحه از 296
پرینت  ارسال به