249
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

الصَّدوق في هذا المقام على هذه القاعدة يحتاج إلى نوع تكلّف ؛ لأنّه ليست الأحوال بمختلفة ، بل النهي يحتمل الحرمة والكراهة ، فلمّا ورد نهي وورد خبر بالجواز ، علمنا أنّ النهي للتنزيه لكنّهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ إن أطلقوا النهي ، فإنّما يطلقون ؛ بالنظر إلى شخص يفهم من كلامهم الكراهة وبالنظر إلى شخص لا يفهم أو ليس قرينة يفهم ، يصرّحون بها وبالنظر إلى شخص لا يناسب حاله مثل الفضلاء من أصحابه من أهل الورع والتقوى يطلقون ؛ لأنّهم يعلمون أنّهم يعملون بالواجب والمندوب أيّهما كان وينتهون عن الحرمة والكراهة ، مهما كان وإذا لم يكونوا في هذه المرتبة يرخّصون لهم أو بحسب اختلاف أحوالهم في الضرورة وغيرها ، وإذا أخذت هذه القاعدة يسهل لك توجيه الاختلافات وهذا الوجه وراء ما ذكره الأصحاب في كتب الاُصول من العام والخاص والمطلق والمقيّد والمحكم والمتشابه وغيرها ، ونحن بعون اللّه نبيّن لك في كُلّ اختلاف ما تيسّر» . ۱
وبعبارة أوضح : أنّ المجلسي رحمه الله لا يقر أنّ نتف الشيب يجوز لبعض الناس ولا يجوز للبعض الآخر ، ولا يراه كالخضاب ، مُستحبّاً في حالة الزينة وفي حالة قلّة عدد المسلمين ، وهو لا يستحب ولا ينبغي الأخذ به في حالة الحزن والمصيبة على شهادة شخصيات ورجال الإسلام ، كما حصل في معركة صفّين ، ۲ بل هو يتناول دراسة حال الراوي والمخاطب من زاوية اُخرى ، وهي طريقة إلقاء وبيان الأئمّة عليهم السلام في أحكام العزائم والرخص . فالإمام لا يرى نفسه ملزماً بالتحدّث صراحة مع من يستطيع فهم كراهة أو جواز أمر ما من خلال الرجوع إلى القرينة ، ولا بعدم استخدام الأمر في

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج۱ ، ص ۳۳۷ .

2.جاء في نثر الدرّ خبر يفيد أنّ الإمام علي عليه السلام عندما كان عائداً من صفّين كان رأسه ولحيته كأنّها قطنة بيضاء ، فقال له أصحابه : هلاّ اختضبت يا أمير المؤمنين ! فقال : الخضاب زينة ، ونحن قوم في مصيبة (نثر الدرّ ، ج ۱ ، ص ۳۰۷) .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
248

لا بلدهم كما في أرطال الفطر» . ۱
والمثير للاهتمام هو أنّ هذه القاعدة المقبولة ليس سهلة التطبيق المصاديق ، وكشف الخصائص الدخيلة في الحكم وعزل الخصائص عن المخاطب ، ممّا لها تأثير في الحكم عن الخصائص الّتي لا تأثير لها فيه يتطلّب كثيراً من التأمّل والدقّة ، وقد خالف المجلسي رحمه اللهنفسه الشَّيخ الصَّدوق في موضع ، ولم يقبل رأيه في تطبيق هذه القاعدة على مسألة مشهورة ، وهذه المسألة المشهورة هي اللحية البيضاء والموقف إزاءها ، فللشعر الأبيض في الإسلام احترامه ووقاره واعتبر زينة للمؤمن ، وقد جاءت توصيات باحترام ورعاية ذوي الشعر الأبيض من القوم ، ولكن هناك عدّة روايات أمرت بخضاب الشيب ، ولدينا أيضاً روايات معارضة على الظاهر في جواز نتف الشيب وقصّه وتقصيره . وبعدما نقل الشَّيخ الصَّدوق حديثاً عن الرسول صلى الله عليه و آله في النهي عن نتف الشيب ۲ ، أورد أيضاً رواية عن الإمام علي عليه السلام قال فيها : كان لا يرى بجزّ الشيب بأسا ويكره نتفه . ۳
ولذلك فهم بأنّ النهي عن نتف الشيب نهي كراهية لا نهي تحريم ، ونقل في هذا السياق رواية عن الإمام الصادق عليه السلام في تأييد هذا الرأي ، وهي : لا بأس بجزّ الشمط ونتفه ، وجزّه أحبّ إليّ من نتفه . ۴ وقال بعد ذلك : «فأخبارهم لا تختلف في حالة واحدة ؛ لأنّ مخرجها من عند اللّه تعالى ذكره ، وإنّما تختلف بحسب اختلاف الأحوال» . ۵
إلاّ أنّ المرحوم المجلسي رحمه الله قال ضمن تأييده لهذه القاعدة العامّة والإتيان بعدّة أمثلة في توضيحها ، مسجّلاً اعتراضه على الشَّيخ الصَّدوق بقوله : «ولكن تطبيق قول

1.روضة المتّقين ، ج ۱ ص ۴۱ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۳۰ ، ح ۳۳۸ .

3.المصدر السابق ، ص ۱۳۱ ، ح ۳۳۹ .

4.المصدر السابق ، ح ۳۴۰ .

5.المصدر السابق ، ص ۳۳۶ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5685
صفحه از 296
پرینت  ارسال به