اليأس من روح اللّه فليداوها بأمثال هذه الآيات والأخبار ، وإذا كان العكس فبالعكس ، وإذا كان بينهم فمن هذه وهذه» . ۱
وأكّد علماء الأخلاق على أنّ تعاليم الإسلام الأخلاقية تتصف بالاعتدال ، إذ يجب صرف الشخص الجسور عن التهور والجرأة غير المعقولة نحو الشجاعة العقلانية ، وتقريب الشخص الجبان إلى الشجاعة بأمره بالإقدام والجرأة .
هذا النوع من رعاية حال المخاطب تظهر أحياناً على نحو آخر وهو أن تؤخذ بنظر الاعتبار ثقافة المخاطب وما لديه ولدى أشباهه وأضرابه من افتراضات ذهنية مسبقة ، وهذا يُعدُّ نوعاً من القرينة المقامية ، وقد استفاد منها الفقهاء في فهم الأخبار والجمع بينها . وأحد هذه المسائل مقدار وحجم الماء الكر . فالروايات الّتي جاءت في تعيين مقدار الماء الكر متفاوتة ؛ فتناولها البعض حسب الأَبعاد وحجمها ، والطول والعرض والارتفاع ، بينما قاسها البعض بالمكاييل المتعارفة والمتداولة ، وهذا القياس بالمكيال يعتمد عددين متفاوتين كلّياً ، هما : ألف ومئتا رطل ۱۲۰۰ ، وستمئة رطل ۶۰۰ . وقد استخدم المجلسي رحمه الله هذه القاعدة لفهم الأخبار والجمع بين المتعارض منها ، وهذه القاعدة هي أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يأخذون بنظر الاعتبار وضع المخاطب والسائل ، وبما أنّ أكثرية أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كانوا من العراقيين والكوفيين ، فقد جعل مقدار الماء الكر برطل العراق الّذي هو نصف رطل مكّة والمدينة . وعندما أراد أن يبيّن هذا المقدار نفسه برطل الحجاز قسمه إلى نصفين وقال ۶۰۰ رطل . والدليل الّذي استدل به المجلسي على هذا الأمر هو أنّ رواة الحديث الّذي يذكر رقم ۱۲۰۰ رطل عراقي . ولم يذكر العدد ۶۰۰ إلاّ عند مخاطبة محمّد بن مسلم الطائفي وهو من طائف الحجاز ، ثُمَّ قال بعد ذلك : «وهو أيضا يؤيّد أنّهم عليهم السلام يعتبرون بلد السائل