247
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

اليأس من روح اللّه فليداوها بأمثال هذه الآيات والأخبار ، وإذا كان العكس فبالعكس ، وإذا كان بينهم فمن هذه وهذه» . ۱
وأكّد علماء الأخلاق على أنّ تعاليم الإسلام الأخلاقية تتصف بالاعتدال ، إذ يجب صرف الشخص الجسور عن التهور والجرأة غير المعقولة نحو الشجاعة العقلانية ، وتقريب الشخص الجبان إلى الشجاعة بأمره بالإقدام والجرأة .
هذا النوع من رعاية حال المخاطب تظهر أحياناً على نحو آخر وهو أن تؤخذ بنظر الاعتبار ثقافة المخاطب وما لديه ولدى أشباهه وأضرابه من افتراضات ذهنية مسبقة ، وهذا يُعدُّ نوعاً من القرينة المقامية ، وقد استفاد منها الفقهاء في فهم الأخبار والجمع بينها . وأحد هذه المسائل مقدار وحجم الماء الكر . فالروايات الّتي جاءت في تعيين مقدار الماء الكر متفاوتة ؛ فتناولها البعض حسب الأَبعاد وحجمها ، والطول والعرض والارتفاع ، بينما قاسها البعض بالمكاييل المتعارفة والمتداولة ، وهذا القياس بالمكيال يعتمد عددين متفاوتين كلّياً ، هما : ألف ومئتا رطل ۱۲۰۰ ، وستمئة رطل ۶۰۰ . وقد استخدم المجلسي رحمه الله هذه القاعدة لفهم الأخبار والجمع بين المتعارض منها ، وهذه القاعدة هي أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يأخذون بنظر الاعتبار وضع المخاطب والسائل ، وبما أنّ أكثرية أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كانوا من العراقيين والكوفيين ، فقد جعل مقدار الماء الكر برطل العراق الّذي هو نصف رطل مكّة والمدينة . وعندما أراد أن يبيّن هذا المقدار نفسه برطل الحجاز قسمه إلى نصفين وقال ۶۰۰ رطل . والدليل الّذي استدل به المجلسي على هذا الأمر هو أنّ رواة الحديث الّذي يذكر رقم ۱۲۰۰ رطل عراقي . ولم يذكر العدد ۶۰۰ إلاّ عند مخاطبة محمّد بن مسلم الطائفي وهو من طائف الحجاز ، ثُمَّ قال بعد ذلك : «وهو أيضا يؤيّد أنّهم عليهم السلام يعتبرون بلد السائل

1.روضة المتّقين ، ج۱ ، ص ۴۶۱ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
246

أوصاه الإمام عليه السلام بالمزاح. ۱ ولعلّ مخاطب الإمام كان كثير الأكل فأوصاه الإمام بالجوع، أو لعلّ المخاطب كان يائساً فأخذ الإمام يتحدّث عن الإرجاء إلى رحمة اللّه فقط.
وهذه الحالة الأخيرة أشار إليها المجلسي رحمه الله ، فقد نقل الشَّيخ الصَّدوق حديثاً بهذا المضمون : عزّى الصادق عليه السلام رجلاً بابن له فقال عليه السلام له : اللّه خير لابنك منك وثواب اللّه خير لك منه ، فبلغه جزعه بعد ذلك ، فعاده إليه فقال له : قد مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله أفما لك به أسوة ؟ فقال : إنّه كان مراهقا ، فقال له : إنّ أمامه ثلاث خصال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ورحمة اللّه وشفاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلن تفوته واحدة منهنّ ، إن شاء اللّه عز و جل . ۲
ثُمَّ إنّ المجلسي صوّر عند شرح هذا الحديث ، جواب الرجل المفجوع ، ثُمَّ ذكر ما يلي : إنّ جزعي ليس من موته ، بل بسبب إنّه كان فاسقا يقينا أو ظنّا ، وأعلم أو أظنّ أنّه معذّب . فقال ـ صلوات اللّه عليه ـ : لا يجوز اليأس من رحمة اللّه ، فإنّ له من أسباب الرجاء ثلاثة ، ومن أسباب الخوف واحدة ، فينبغي أن يكون الرجاء غالبا ، سيّما بعد الموت ، ولا سيّما بالنظر إلى الغير . ۳
وفي سياق الكلام بيّن المجلسي رحمه الله أسباب الرجاء وشرحها ، ثُمَّ أشار إلى تعليق الإمام الأمر إلى مشيئة اللّه وقال : «والتعليق على المشيئة ، لئلاّ يرتفع الخوف بالكليّة فإنّه مضرّ أيضا» ۴ . ثُمَّ تناول صراحة الموضوع المطروح على بساط البحث قائلاً : «واعلم أنّ البلاغة تقتضي التكلّم بما يناسب حال المخاطب ، ولمّا كان حاله الخوف تكلّم في الرجاء وأخبارهم بالعكس أكثر من أن تحصى ، فلا ينبغي للعبد أن يغترّ بأمثال هذه الأخبار ، بل ينبغي أن يكون مداويا لنفسه بالضدّ ، فإذا كان خوفه كثيرا ويخاف انجراره

1.قال الإمام الصادق عليه السلام ليونس الشيباني : كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت : قليل ، قال : فلا تفعلوا .. . (الكافي ، ج ۲ ، ص ۶۶۳ ، ح ۳) .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۷۴ ، ح ۵۰۸ .

3.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۴۶۰ .

4.المصدر السابق ، ص ۴۶۱ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5694
صفحه از 296
پرینت  ارسال به