243
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

والمجلسي رحمه الله غير مستثنىً من هذه القاعدة ، فهو يعير أهمية لفهم الراوي ، ويستفيد من ذلك الإبداع الاحتمال وتمهيد الأرضية ، للرد على ما يحتمل وقوعه من إشكال ، وإن كان لا يعتبر فهم الراوي حجّة ، وهو يصرّح بذلك أيضاً . نستعرض فيما يلي الحديث الّذي يروي فعل الإمام والراوي : وقال بعضهم : خرج الصادق عليه السلام من الحمّام فلبس وتعمّم . قال : فما تركت العمامة عند خروجي من الحمّام في الشتاء والصيف . ۱
ورغم أنّ رواية الصَّدوق مرسلة ولا تذكر لنا اسم الراوي ، إلاّ أنّ رواية الكليني لهذه الواقعة مسندة وتبيّن بأنَّ راوي الحديث هو سيف بن عميرة وهو من ثقات رواة الشيعة ، وهناك في الرواية الأصلية جملة إضافية لم ينقلها الشَّيخ الصَّدوق ، ولكن الكليني نقلها وهي أمر الإمام للراوي بشكل قاعدة كلية : إذا خرجت من الحمّام فتعمّم ، ۲ وفي مثل هذه الأجواء يأتي بيان المجلسي رحمه الله كما يلي : «وفهم الراوي من عموم اللفظ استحبابه في الصيف والشتاء ، ويمكن أن تكون الواقعة في الصيف ، ففهم منه ومن عموم اللفظ أنّ في الشتاء أحسن وأنفع وأدفع للضرر ولمّا كان فهمه حسناً ، نقل عنه الثقات وإلاّ ففعل الصحابي ليس بحجّة عندنا» . ۳
أجل فبعد هذا البيان الّذي صرّح به المجلسي رحمه الله يزول الإشكال الّذي يقول بعبثية العمامة في الصيف ، وتخصيص حتمية الحديث بالشتاء . وحاول المجلسي رحمه الله أن يتوقّى طرح مثل هذا الإشكال عندما بيّن سر فعل الراوي ، ولكنه طبعاً لا يعتبر ذلك حجّة قطعية .

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۱۷ ، ح ۲۴۶ .

2.الكافي ، ج ۶ ، ص ۵۰ ، ح ۱۷ .

3.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۳۰۰ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
242

بروايته حول وقوع النجاسة في البئر ، وبما أنّ المسألة فقهية ودقيقة ، فنحن نورد فيما يلي عبارة المجلسي فقط ، ونحيل الراغبين في الاطلاع على المزيد من المعلومات إلى مراجعة الكتب الفقهية . نص شرح المجلسي هو كالآتي :
«والتأويلات المذكورة في الخبرين في غاية الضعف مثل تأويل الصَّدوق ، هذا إذا كانت في زبيل ولم ينزل منه شيء في البئر ، لأنّ ظاهر الزبيل إذاكان مخلوطا بالعذرة ، كما هو الغالب فلا فائدة في التأويل ، وإن لم يكن مخلوطا فلا فائدة في السؤال ، بل هو قبيح سيّما من علي بن جعفر الّذي هو أحد الأركان في الدين ولم يوجد مثله من الهاشميين ولا في أولاد الأئمّة المعصومين ولا من أصحابهم على ما هو الظاهر عندنا ، واللّه تعالى هو العالم بحقائق الأحوال» . ۱

ج ـ فهم الراوي الأوّل

من القرائن الكاشفة عن معنى ومقصود الإمام القائل للحديث ، ما فهمه المخاطب الأوّل الّذي وُجّه الحديث إليه ، أي الراوي الأوّل لكلام وفعل الإمام . فالراوي من العارفين باللغة (العربية) ، ويفترض أن تكون لديه الأهلية لسؤال الإمام ورواية ما رآه أو سمعه ، وهو يرى ويدرك حتّى لقرائن المقامية بسبب وجوده في جو الحوار .
ولذلك فهو يفهم مقصود الإمام بكلّ سهولة ، ولهذا الفهم حجيّة بالنسبة له ، وله أهميّة بالنسبة لنا ، ولهذا السبب فقد نقل الرواة والمحدّثون في حالات كثيرة في ذيل الحديث فهم الراوي الأوّل أو تفسيره أو حتّى فعله . فعندما نقل الكليني في الروضة من الكافي حديث مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام حين قال : إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى . ذكر ما يلي : «قال مسعدة : يعنى بالأدب ، العلم» . ۲

1.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۸۵ .

2.الكافي ، ج ۸ ص ۱۵۰ ، ح ۱۳۲ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5528
صفحه از 296
پرینت  ارسال به