237
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

الأحاديث العقائدية والفقهية أكثر من المجالات الأخرى ، واستفاد كثير من الفقهاء ، في مباحثهم الفقهية والحديثية ، من السؤال الموجود في الحديث واعتبروه قرينة لتعيين المقصود النهائي للإمام ، وفهموا أحياناً من الحديث معنى يختلف كلياً عمّا نفهمه منه فيما لو كان من غير سؤال ، ۱ أو أنّهم اختاروا بقرينة سؤال الراوي احتمالاً واحداً من عدّة معانٍ محتملة للحديث وتركوا ما بقي منها . ۲ وقد قيّد الفقهاء أحياناً اطلاقات الجواب بناءً على قرينة السؤال ، وخصصوا في أحيان اُخرى عموماته ۳ ، ومنعوا أحياناً انعقاد الإطلاق والعموم ۴ ، وأزالوا أحياناً بواسطة السؤال إجمال الحديث . ۵
وسنستعيض هنا عن ذكر أمثلة مشابهة لما ذكرناه ، بعرض مجموعة من الأحاديث الّتي فُهمت على نحو مغلوط بسبب ما فيها من حصر وقلّة الانتباه إلى سؤال الراوي .
وبعبارة اُخرى : إنّ إحدى ثمرات الاهتمام بسؤال الراوي هو إدراك إضافية ونسبية الحصر وليس حقيقته . وهذه الثمرة المهمة تستخدم كثيراً في حل التعارض بين الأخبار ، و نكشف فيما يلي من خلال عرض عدد من الأمثلة التفات المجلسي الأوّل رحمه الله إلى تأثير هذه الأسئلة في صياغة السياق وتوفير الأجواء لفهم طبيعة الحصر .
جاء المثال الأوّل في أوائل شرح المجلسي الأوّل رحمه الله ، وفي باب «الغسل» . فنحن نعلم أنّ هناك أغسالاً متعددة واجبة على الإنسان . وغسل الجنابة إلى جانب غسل

1.رياض المسائل ، ج ۹ ، ص ۲۹۷ ، حول الوقف بقرينة سؤال الراوي عن صحّة الوقف ، لا يمكن حمل عبارة «يرجع ميراثا» في كلام الإمام على معناها الحقيقي ، وحملها على المعنى المجازي .

2.راجع : مستند الشيعة ، للنراقي ، ج ۷ ، ص ۱۵۳ (في مسألة الشكّ في ركعات الصلاة) ؛ جواهر الكلام ، ج ۵ ، ص ۳۱۰ (مسألة مسّ قطعة مفصولة من بدن الحيوان) .

3.الصلاة ، للشَّيخ الأنصاري (الطبعة القديمة) ، ص ۳۹۲ (في مسألة إضافة قصد السفر إلى شروط الصلاة) .

4.راجع : مشارق الشموس ، ج ۱ ، ص ۲۲۱ و۲۸۹ ؛ كشف اللثام ، ج ۲ ، ص ۲۸۷ (في مسألة الإرث) ؛ رياض المسائل (الطبعة القديمة) ، ج ۲ ، ص ۲۹۹ ؛ جامع المدارك ، للخوانساري ، ج ۳ ، ص ۱۵۵ .

5.جواهر الكلام ، ج ۳۶ ، ص ۲۸۴.


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
236

بذهاب شحم الكليتين ، يؤيّد المعنى الأوّل» . ۱
والّذي يسترعي الانتباه في هذا المثال هو أنّ التخصيص الحاصل من التعليل وإن توجه إليه الفقهاء والمحدّثون ، ولكن لم يكن فيه رواج وشيوع التعميم .

ب ـ سؤال الراوي

صدرت الكثير من الأحاديث جواباً لأسئلة رواة من ذوي المعرفة بالفقة والدين ، أو لأشخاص عاديين كانوا يواجهون مشكلة في هذا المجال ، وقد كان أئمتنا مرجع الأسئلة العلمية في عصرهم . وكانوا يجيبون عن الأسئلة الفقهية والتفسيرية والأخلاقية ، وقد أجابوا عن الأسئلة الصريحة والتلميحيّة للرواة بالقول والعمل والمكتوب والرسالة ، وردّوا على ما اُثير من شبهات . ۲ فهناك كتب مثل كتاب : مسائل علي بن جعفر ومسائل الرجال والمكاتبات للحميري ، والتوقيعات القيمة الّتي صدرت عن الإمام المهدي ـ عج ـ وآبائه الطاهرين تمثّل شواهد على أنّ هذه الأحاديث لم تصدر في فراغ ، بل صدرت فيما عاصرها من أجواء علمية ، ولم تصدر على شكل كتاب لا يأخذ بنظر الاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية الملتهبة في عصره .
وعلى هذا الأساس فإنّ العثور على السؤال الخفي والذهني ، أو الصريح والعلني للراوي أو السائل (الّذي يعتبر المخاطب الأوّل للحديث) يقودنا إلى صُلب الجواب ونواته الداخلية ، سواء جاء هذا السؤال والجواب في مجلس وعُرضا شفوياً ، إن جاء بشكل مكتوب ، ووصل جوابه بعد أيام واسابيع ، أو أنّ السؤال كان شائعاً ومشهوراً ، وجاء جواب الإمام عنه من غير أن يسأله أحد .
كان الاهتمام بسؤال الراوي وما له من تأثير في فهم جواب الإمام في مجال

1.روضة المتّقين ، ج ۲ ، ص ۲۹۷ .

2.اُنظر : مجلة علوم الحديث ، العددان ۶ و ۹ مقالة عرض الحديث ، للمؤلّف .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5360
صفحه از 296
پرینت  ارسال به