235
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

ذكرت العلّة لبيان مصلحة الحكم .
تجدر الإشارة إلى أنّ تعميم وتخصيص الحكم استناداً إلى العلّة المذكورة في الكلام ، أو ما يُصطلح عليه في علم الاُصول باسم «العلّة المنصوصة» تابع بحد ذاته للقواعد العقلية لظاهر الكلام ، وهذا ما يتكفّل ببحثه علم اُصول الفقه . ۱ غير أنّ معظم الفقهاء وعلماء علم اُصول الفقه أقروا التعميم والتعدية الحاصلة من التعليل . ۲ ولم يطرحوا إلاّ آراءً متفاوتة ، ولكن متقاربة بشأن قواعدها وشروطها . ۳ ونشب بينهم جدل أكثر فنيّة ودقّة حول التخصيص ، وهذه البحوث مضافاً إليها التفاوت بين «العلة المنصوصة» و«العلّة المستنبطة» ، والتفاوت الأساسي بين التعليل والقياس ـ الّذي لا يعتبر حجّة عند الشيعة ـ يمكن تتبّعها في مضانّها ، أي في علم اُصول الفقه . ۴
ونحن نعرض هاهنا مثالاً مقبولاً من روضة المتّقين ، فقد وسّع المجلسي الأوّل عند شرحه حديث الاتّكاء في الحمّام ، حكم هذا الحديث بسبب التعليل الموجود في متنه . ندرج فيما يلي متن الحديث وشرحه وهما كفيلان بتوضيح كُلّ شيء ، قال الصادق عليه السلام : لا تتّك في الحمّام ، فإنّه يذهب (يذيب) شحم الكليتين . . . . ۵
قال المجلسي الأوّل في شرح هذا الحديث ما يلي :«يدلّ على كراهة الاتكاء في الحمّام ، بأن يضطجع ويستلقي ، وظاهره الأعمّ من الاتّكاء باليد أيضاً ، لكن التعليل

1.راجع : مبادئ الوصول إلى علم الاُصول ، للعلاّمة الحلّي ، ص ۲۱۷ ؛ اُصول الفقه ، محمّد رضا المظفّر ، ص ۵۳۷ .

2.على سبيل المثال ، راجع : رسائل الشهيد الثاني ، ص ۸ : «قد تحقّق في الاُصول أنّ العلّة المنصوصة تتعدّى إلى كُلّ ما تحقّق فيه العلّة» . راجع أيضاً : جواهر الكلام ، ج ۲۸ ، ص ۴۱۷ وج ۳۴ ، ص ۱۳۲ ؛ كتاب الصلاة ، للشَّيخ الأنصاري ، ج۲ ، ص ۳۱۹ ؛ مصباح الفقاهة ، للخوئي ، ج ۴ ، ص ۴۳ ؛ وعند أهل السنّة ، راجع : نيل الأوطار ، للشوكاني ، ج ۸ ، ص ۲۰۸ ؛ فتح الباري ، لابن حجر ، ج ۹ ، ص ۵۳۶ ؛ البرهان ، للزركشي ، ج ۳ ، ص ۹۱ .

3.راجع : عدّة الاُصول ، للشَّيخ الطوسي ، ج ۲ ، ص ۶۵۷ ؛ الحدائق الناضرة ، ج ۱ ، ص ۶۳ ـ ۶۵ .

4.اُصول الفقه ، ص ۵۳۸ ؛ مصباح الفقيه ، للهمداني ، ج ۱ ، ص ۴۳۳ ؛ قوانين الاُصول ، للقمّي ، ص ۳۷۴ و۴۵۸ ؛ فوائد الاُصول ، ج ۳ ، ص ۱۵۴.

5.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۱۶ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
234

في صدر وذيل الحديث ، وهي العلّة الّتي استند إليها القائل في حكمه . فهذه التعليلات الّتي تذكر غالباً في نهاية الحكم ، استفاد منها الفقهاء والمحدّثون في حالات كثيرة ، وبيّنوا المقصود الأصلي والحقيقي للحديث في ضوء ما ذُكر فيه من تعليلات . وأدّت بحوثهم النظرية والتطبيقية في هذا المجال إلى ظهور بحث مستقل وخاص في علم الفقه واُصول الفقه ۱ ، والمثال المشهور لهذا الحكم : «حرم الخمر ؛ لأنّه مسكر » ، تكرر ذكره في الكثير من الكتب .
يقول الاُصوليّون والفقهاء أنّه عند بيان العلّة يتبدّل موضوع الحكم ممّا فُهم في بداية الأمر إلى موضوع أكثر شمولاً لينطبق على كُلّ ما فيه هذه العلّة ، أو أنّه يُخصص وينتهي إلى تخفيض الحكم . وبعبارة أدق يكون فيه كلا الجانبين في حالة واحدة . والحديث المعلل يشمل الموضوع الّذي يبدو في الظاهر وكأنّه ليس من مصاديق الحكم ، ولكنّه يشمله لأنّ تعليل الإمام ينطبق عليه ، وهو الموضوع الّذي يبدو من ظاهر الألفاظ أنّه ليس من الحكم ، ويدخل في حكمه أيضاً الموضوع الّذي يبدو في ظاهر لفظه وكأنّه ليس جزءاً من الحكم بسبب مافيه من أثر وصدق التعليل عليه . نذكر على سبيل المثال أنّ حرمة الخمر تسري على المواد المسكرة الاُخرى ، وإن لم تكن خمراً . ومن جهة اُخرى لو كان هناك خمر غير مسكر ـ على فرض وقوع مثل هذا الأمر ـ فَهو ليس حراماً ، وعلى هذا فهم يعتبرون الظهور المستقر والمراد النهائي للحديث المنصوص العلّة مختلفاً في معناه عن الحديث غير المنصوص العلّة .
ويمكن القول بأنّ المراد النهائي والمقصود الأصلي لدى الإمام المعصوم عليه السلام والشريعة المقدّسة تحريم جميع المسكرات ، وقد ذكروا الخمر كمثال بارز وشائع ، وجعلوه منطلقاً لحكمهم ، وليس مقصود الشريعة بيان حكم حرمة الخمر فقط ، ثُمَّ

1.اُصول الفقه ، ص ۵۳۶ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5544
صفحه از 296
پرینت  ارسال به