231
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

الكلام ، وإنّما يقصد إدخال السرور على قلب المخاطب ومن معه ، وهكذا أيضاً بالنسبة لمن يريد السخرية من كسول فيطلق عليه من باب الاستهزاء كلمة النابه ، ويطلق المعلم تسمية افلاطون وأرسطو على التلميذ الغبي الّذي لا يواظب على واجباته المدرسية . وهناك حالات اُخرى من هذا القبيل كالتورية والتقيّة . وإن كان استخدام كُلّ واحدة منها يختلف عن الاُخرى .
وعلى أساس هذا ، هناك قيود متعددة في بيان الأئمّة عليهم السلام فَرَضها ضيقُ أجواء تشريع الأحكام وفي بيان المعارف التوحيدية الحقّة . وهذا ما يضطرنا إلى اتّباع سبل اُخرى لاجتياز المعبر الظاهري والتوغّل في أعماق المعنى لكشف المقصود الحقيقي للقائل ، وأهم السبل الكفيلة بالوصول إلى هذا الهدف هو العثور على قرائن ، وهي أمّا أنّ تكون موجودة إلى جانب الحديث وأمّا يمكن أن تُنتزع من أجواء ومقام حوار الراوي والإمام عليه السلام ، أو اقتناصها من ثنايا الكلمات الاُخرى للقائل والمفاهيم الّتي توجد بشكل يتناسب مع الكلام ، وانتزاع هذه القرائن الّتي نطلق عليها على التوالي تسمية : القرائن اللفظية الداخلية ، والقرائن المقامية ، والقرائن اللفظية الخارجية ، هي الواجب الأساسي الّذي يقوم به شارح الحديث . ونحن نرى أنّ المجلسي الأوّل رحمه الله قد صال وجال على أحسن ما يكون الحال في كلا هذه الميادين الثلاثة ، بحيث استطاع جمع القرائن المختلفة واستخدامها للكشف عن المعنى الأصلي للقائل .
صرّح المجلسي الأوّل رحمه الله نفسه بهذا المعنى ، حيث قال في أوائل بحثه لموضوع الوضوء من ماء البئر ما يلي : «وإنّما أطلنا الكلام هنا لأنّه لم يذكره العلماء ولاستئناس المبتدئ لأن لا يجترئ على معنى الحديث لمجرّد ظاهر الحديث» ۱ . وذكر عبارات أطول للكشف عن طريق الوصول إلى المراد الأصلي لأي كلام ، ننقلها هنا بنصّها ؛ وذلك لأنّ ذيل كلام المجلسي رحمه الله يُظهر أنّ هذا الطريق يمكن طيّه في الأخبار . وإذا لم

1.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۸۸ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
230

الكامن وراء الألفاظ والعثور على المراد الحقيقي للمتكلم من خلال النظر إلى علاقة التشبيه أو الجزء والكل والتضمين ، وغير ذلك من العلائق .
وبعبارة اُخرى : لا يوجد في الكناية ما يمنع من قبول المعنى الحقيقي والمفهوم الأصلي للمتن ، ولكثرة الاستعمال لا مانع من إرادة معنى آخر من الألفاظ الّذي هو في الغالب يكون اللازم الحقيقي والخارجي للمعنى الأوّل . نذكر على سبيل المثال حديثاً للإمام علي عليه السلام نقله الكليني كما يلي : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تبدينَّ عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة ولا تأمن البيات وقد عملت السيئات . ۱ الواضحة هنا بمعنى الأسنان الّتي تظهر أثناء الضحك . ومراده أنّك إذا ارتكبت أعمالاً فاضحة لا ينبغي أن تكون جذلاً ومسروراً وضاحكاً ، بحيث تظهر أسنانك الواضحة . وهنا يمكن أن يكون المعنى الحقيقي أي إظهار الواضحة ، والمعنى المكنّى عنه إلى جانب بعضهما ، وكلاهما مقصودان . وإن كان المقصود الأصلي ـ وهو المعنى المكنّى عنه ـ أي عدم السرور بعد هذه الآثام والأعمال الفاضحة . فالمجلسي رحمه الله يشرح مثل هذه الأحاديث ويتكفّل بشرح معناها الحقيقي والأصلي . ۲

المرحلة الثانية : فهم المقصود

الكثير من الأفراد الّذين لديهم معرفة بالمتون الحديثية ، أو يكون عملهم البحث في المتون وخاصة المتون المقدّسة ، يعلمون جيّداً بأنّ ما نفهمه للوهلة الاُولى من ظاهر الكلام ليس بالضرورة أن يكون هو المعنى الّذي يقصده القائل ، ولا يمكن الادعاء على الدوام بتطابق مفهوم الكلام مع مراد المتكلم. ويُعتبر المزاح، والسخرية، والتعايب أمثلة واضحة لهذا الأصل . فالممازح ليس قصده الحقيقي إلقاء معنى

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۷۳ ، ح۲۱ .

2.اُنظر : روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۶ و ۱۶۱ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5421
صفحه از 296
پرینت  ارسال به