229
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

من القابليات والحكمة اقتضت ألاّ يكونوا سواء» . ۱
المثال الثالث : له علاقة بعقبات وموانع البرزخ والقيامة . فقد قال المجلسي في ختام شرحه لقسم من وصيّة الإمام علي عليه السلام لولده محمّد بن الحنفيّة : واعلم أنّ أمامك مهالك ومهاوي وجسورا ، وعقبة كؤودا لا محالة . فقد فسّر في بداية الأمر كلماته واحدة بعد واحدة بمعنى : «عذاب القبر وسؤال المنكر» ، «أهوال يوم القيامة» ، «الصراط» ، و«عقبة شاقّة الّتي في الصراط من الصعود إلى الهبوط» ثُمَّ قال : «ويمكن أن يكون الجميع استعارة عن أهوال ما بعد الموت» . ۲
ومن الطبيعي أنّنا لو أجرينا دراسة أكثر استفاضة لكتاب روضة المتّقين لتكشفت لنا اُمور أكثر . ويحسن أن يقوم باحث قدير بتقصّي هذه المسألة بشكل مستقل وموسّع . ۳

۴ . تفسير الكنايات

الكناية نوع من الصور الأدبية ويمكن شرحها ضمن موضوع المجاز ، ولكن الاختلاف بإمكان إرادة الحقيقة من الكناية دفعنا إلى شرحها في بحث مستقل . فنحن نرى أنّ فهم هذه الكنايات أو تمهيد مسار فهمها يعد من الأعمال المهمّة في فقه الحديث ، وهو ما يتناوله الكثير من مفسّري القرآن والحديث تحت عنوان البحث الأدبي والبلاغي .
الجانب المهم الّذي يميّز الكناية عن الاستعارة وأنواع المجاز الاُخرى هو أنّ المعنى الحقيقي للألفاظ لا يزال في حالة الكناية ، ويمكن أن يكون موجوداً ومقصوداً من قبل المتكلّم إلى جانب المعنى والمقصود الأصلي . بينما في الاستعارة تتضمن الجملة أو العبارة معنى غير مقبول فنضطر إلى استبعاد المعنى الظاهر وتتبع المعنى

1.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۲۴ .

2.المصدر السابق ، ص ۵۵ .

3.المصدر السابق .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
228

تجدر الإشارة إلى أنّ المجلسي لم يستبعد احتمال واقعية مثل هذه الشكوى . ويذهب بناءً على مفاد الآية الشريفة : «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَـوَ تُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَن فِيهِنَّ وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا » إلى إثبات الشعور للكعبة ، وتبعاً لذلك يمكن افتراض شكواها إلى اللّه أمراً حقيقياً وليس مجازياً .
وجاء هذا الاستخدام المجازي للشكوى أيضاً على لسان المسجد الخالي من المصلّين ، وعلى لسان القرآن الّذي لا يُقرأ فيه . نقل المجلسي رحمه الله حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيه : ثلاثة يشكون إلى اللّه عز و جل ، مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله ، وعلم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه . ۱
في بداية الأمر اعتبر المجلسي رحمه الله هذا الحديث مقبولاً وحقيقياً . وتحدّث بعد ذلك عن احتمال أن يكون معناه مجازياً ، وهذا نص كلامه : «الظاهر أنّ الشكاية على الحقيقة ، ويمكن أن تكون مجازا» . ۲
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المتن غير الحديث المنسوب إلى الرسول ، إذ يشكو في يوم القيامة بأنّ اُمته اتخذت القرآن مهجوراً ، وهو الحديث الّذي نقله النعماني في كتاب الغيبة . ۳
المثال الثاني الّذي يسترعي الانتباه معاكس لهذه الحالة وهو تشبيه الحي بالميت . فقد روى الشَّيخ الصَّدوق حديثاً من هذا الطراز جاء فيه : الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة . ۴ ويشرح المجلسي رحمه الله هذا التشبيه الظريف قائلاً : «والتعبير بالمعدن لما فيهم

1.الكافى¨ ، ج ۲ ، ص ۶۱۳ ، ح ۳ ؛ روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۳۱ .

2.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۳۲ .

3.الغيبة ، ص ۴۶.

4.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۸۰ ، ح ۵۸۲۱ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5457
صفحه از 296
پرینت  ارسال به