227
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

المعدنية الّتي تنبع من باطن الأرض ، تأتي نتيجة فوران جَهَنّم وغليان مياهها الحارة والمحرقة ، أم أنّها جاءت هنا مجازاً؟ وإن كان الأمر كذلك فما طبيعة هذا المجاز؟ لقد اختار المجلسي الأوّل رحمه اللهالرأي الثاني وقال : «والظاهر كما قال بعض أنّه خرج مخرج التشبيه في الحرارة أو الحرارة الكبريتية» . ۱
المثال الثاني : حول الكعبة وشكواها . فقد نقل الشَّيخ الصَّدوق رواية تدلّ على هذا المعنى ، إليكم فيما يلي نصّها : روي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه عز و جل في الفترة بين عيسى ومحمّد ـ صلوات اللّه عليهما ـ فقالت : يا ربّ ، ما لي قلّ زوّاري ، ما لي قلّ عوّادي ؟ فأوحى اللّه ـ جلّ جلاله ـ إليها أنّي مُنزلٌ نورا جديدا على قوم يحنّون إليكِ كما تحنّ الأنعام إلى أولادها ، ويزفّون إليكِ كما تُزف النسوان إلى أزواجها . . . يعني اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله . ۲
ليست هناك صعوبة في تفسير معنى هذا الحديث ونحن نقبله بسهولة . ولكن الشَّيخ الصَّدوق نقل حديثاً آخر في هذا المعنى يبدو فيه وكأنّ للكعبة روح ، وتسوؤها الرائحة الكريهة كما تسوء الإنسان . نورد فيما يلي نص الحديث ، ثُمَّ نأتي على بيان رأي المجلسي : وروي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه عز و جل ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى اللّه تعالى إليه : قرّي يا كعبة ، فإنّي مبدلك بهم قوما يتنظّفون بقضبان الشجر ، فلمّا بعث اللّه عز و جل نبيّه محمّدا صلى الله عليه و آله نزّل عليه روح الأمين جبرئيل عليه السلام السواك . ۳
يرى المجلسي رحمه الله أنّ هذا الحديث يحتاج إلى توجيه وشرح ويقول : «وحملت على التجوّز ، بأنّه لمّا كان تعظيم الكعبة بأيّ وجه كان من الواجبات والطواف مع الرائحة الكريهة عنده مخالف لتعظيمه ، فكأنّه اشتكى» . ۴

1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج۱ ، ح ۲۵ .

2.المصدر السابق ، ج ۲ ، ص ۲۴۴ ، ح ۲۳۱۰ .

3.المصدر السابق ، ج ۱ ، ص ۵۵ ، ح ۱۲۵ .

4.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۱۷۸ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
226

حضور النَّبي صلى الله عليه و آله وسلم عند رأس المحتضرين ، وأوردها الشَّيخ الصَّدوق بعد هذا الحديث مباشرة ، تعد قرينة جيّدة لفهم هذا المعنى . ونحن نورد فيما يلي هذه القرينة ، أي نص الحديث : دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجّه لغير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل اللّه عز و جل عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتّى يقبض . ۱
ما سبق ذكره يكشف عن كيفية رأي المجلسي الأوّل رحمه الله حول المجاز واستخدامه في الحديث . وندرج فيما يلي بعض الموارد الّتي احتمل أنّها جاءت على سبيل المجاز :
المثال الأوّل : حول المياه المعدنية الحارّة الّتي كان الاستحمام بها شائعاً منذ قديم الأيّام إلى وقتنا الحاضر ، ويعتبره البعض عملاً مفيداً لمعالجة أمراض معيّنة . وفي مقابل هذا الأقبال ، لدينا أحاديث تنهى عن هذا العمل وردت في بعض المجموعات الحديثية القديمة ، وجمعها الكليني في كتاب «الأشربة» من كتاب الكافي في باب «المياه المنهيّ عنها» . ۲
وقال الشَّيخ الصَّدوق أيضاً في نظرته إلى هذه الروايات : «وأمّا ماء الحمآت (الحمّامات أو الحميّات) فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما نهى أن يستشفى بها ولم ينه عن التوضئ به ، وهي المياه الحارّة الّتي تكون في الجبال يشمّ منا رائحة الكبريت ». ۳ ثُمَّ نقل في الحديث التالي : وقال عليه السلام : إنّها من فيح جهنّم .
وجاءت هذه الكلمة فيما نقله الكليني بصورة «قيل» وجاءت في تتمة الحديث وهي شاهدنا في هذا المجال . والسؤال الّذي يتبادر إلى الأذهان هو هل هذه المياه

1.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۳۴۲ .

2.الكافي ، ج ۶ ، ص ۳۸۹ .

3.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۹ ، ح ۲۴ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5554
صفحه از 296
پرینت  ارسال به