المعدنية الّتي تنبع من باطن الأرض ، تأتي نتيجة فوران جَهَنّم وغليان مياهها الحارة والمحرقة ، أم أنّها جاءت هنا مجازاً؟ وإن كان الأمر كذلك فما طبيعة هذا المجاز؟ لقد اختار المجلسي الأوّل رحمه اللهالرأي الثاني وقال : «والظاهر كما قال بعض أنّه خرج مخرج التشبيه في الحرارة أو الحرارة الكبريتية» . ۱
المثال الثاني : حول الكعبة وشكواها . فقد نقل الشَّيخ الصَّدوق رواية تدلّ على هذا المعنى ، إليكم فيما يلي نصّها : روي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه عز و جل في الفترة بين عيسى ومحمّد ـ صلوات اللّه عليهما ـ فقالت : يا ربّ ، ما لي قلّ زوّاري ، ما لي قلّ عوّادي ؟ فأوحى اللّه ـ جلّ جلاله ـ إليها أنّي مُنزلٌ نورا جديدا على قوم يحنّون إليكِ كما تحنّ الأنعام إلى أولادها ، ويزفّون إليكِ كما تُزف النسوان إلى أزواجها . . . يعني اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله . ۲
ليست هناك صعوبة في تفسير معنى هذا الحديث ونحن نقبله بسهولة . ولكن الشَّيخ الصَّدوق نقل حديثاً آخر في هذا المعنى يبدو فيه وكأنّ للكعبة روح ، وتسوؤها الرائحة الكريهة كما تسوء الإنسان . نورد فيما يلي نص الحديث ، ثُمَّ نأتي على بيان رأي المجلسي : وروي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه عز و جل ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى اللّه تعالى إليه : قرّي يا كعبة ، فإنّي مبدلك بهم قوما يتنظّفون بقضبان الشجر ، فلمّا بعث اللّه عز و جل نبيّه محمّدا صلى الله عليه و آله نزّل عليه روح الأمين جبرئيل عليه السلام السواك . ۳
يرى المجلسي رحمه الله أنّ هذا الحديث يحتاج إلى توجيه وشرح ويقول : «وحملت على التجوّز ، بأنّه لمّا كان تعظيم الكعبة بأيّ وجه كان من الواجبات والطواف مع الرائحة الكريهة عنده مخالف لتعظيمه ، فكأنّه اشتكى» . ۴
1.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج۱ ، ح ۲۵ .
2.المصدر السابق ، ج ۲ ، ص ۲۴۴ ، ح ۲۳۱۰ .
3.المصدر السابق ، ج ۱ ، ص ۵۵ ، ح ۱۲۵ .
4.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۱۷۸ .