225
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

كالشَّيخ المفيد رحمه الله في قبول المجاز واستخدامه في المتون الدينية ، ويذهب أيضاً إلى ما ذهبوا إليه في عدم اعتبار هذا المعنى أصلاً ، وهو لا يبتعد كثيراً عن وادي النظر إلى لغة الدين باعتبارها لغة رمزية . فهو يعتبر الأصل في الاستخدام هو المعنى الحقيقي ، ويحمل الكلمات والعبارات في الوهلة الأولى على معانيها الحقيقية . ولكن عندما تنغلق عليه السبل أو يجد قرينة أقوى ، يتخلى عن المعنى الحقيقي ويتوجّه إلى احتمال صواب المعنى المجازي . فقال في إطلاق كلمتي «الغلام» و«الجارية» ما يلي : «فإنّهما يطلقان غالبا على غير الرضيع والرضيعة وإن جاز على سبيل التغليب لكنّه مجاز ، الأصل في الإطلاق الحقيقة» . ۱
ولهذا السبب يمتنع المجلسي رحمه الله عن الحكم بوجوب توجيه المحتضر باتجاه القبلة على أساس رواية وردت في كتاب من لا يحضره الفقيه . والرواية كالآتي : وسئل الصادق عليه السلام عن توجيه الميّت فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة . ۲ وذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّ مصداق هذا الحديث ليس الميت المشرف على الموت ، وجوّزوا بالعلاقة المشارفة إطلاق كلمة الميت مجازاً على المحتضر والمشرف على الموت . غير أنّ المجلسي لم ير وجود مثل هذه القرينة أو أنّه لم يقر بوجودها هنا ، وقال ما يلي : «وليس هنا قرينة للتّجوز ؛ بل الظاهر أنّه الاستقبال المستحبّ بعد الموت ، ويمكن أن يكون لهم قرينة فهموها كما فهمه ثقة الإسلام (الكليني) والصَّدوق ، وتبعهما الأصحاب رضي الله عنهمأجمعين» . ۳
يجب القول بأنّ كلام المجلسي رحمه الله في الاستحباب أو الوجوب ، وإن كان يتعذّر ردّه ـ بهذا الحديث على الأقل ـ غير أنّ الرواية المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام الّتي تشرح

1.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۳۲ ، ح ۳۴۸ .

3.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۳۴۱ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
224

والمعنى الاصطلاحي ، من النهوض بشرح أحاديث يلفّها الغموض أو عدم القبول بسبب احتوائها ألفاظاً اصطلاحية . فالمجلسي الأوّل رحمه الله يعلم جيداً بأنَّ المعنى الاصطلاحي وإن كان كثير الاستخدام لا يمكنه على الدوام وفي كُلّ الأحوال إزاحة المعنى اللغوي والأوّلي وتنحيته كليّاً ، ولذلك فسّر كلمة «الطلاق» في الحديث التالي بمعنى الترك ، وليس بمعنى الانفصال القانوني والحقوقي بين الزوج والزوجة : علي عليه السلام في رجل تزوّج امرأةً فوجدها برصاء أو جذماء ، قال : إن كان لم يدخل بها ولم يبيّن له ، فإن شاء طلّق و إن شاء أمسك . . . . هنا استعان المجلسي بعلم الفقه الّذي يعتبر عيب البرص والجذام موجباً لفسخ عقد النكاح وليس جواز الطلاق ، فقال : «فيحمل الطلاق على المعنى اللغوي» ۱ ، أي أنّ الرجل يستطيع تركها وليس تطليقها .

۳ . المجاز

هذه المشكلة موجودة أيضاً بشكل أعقد في الاستعمالات المجازية والكنائية . ففي الاستعمالات المجازية ، إضافة إلى المعنى الظاهر ، هناك أيضاً تصوير ذهني يكمن بين طيات الكلام ، تربطه بذهن المخاطب روابط ممتدّة ولكنّها وثيقة ، وأمّا الألفاظ الّتي جاءت على اللسان فليست إلاّ ممراً للانتقال إلى ذلك العالم المجازي والمقاصد الخفية . وبعبارة اُخرى : أنّ الطيات الخفية بين ثنايا الجمل والصياغات لا تظهر كلّها تماماً ، بل يُشار إلى قرائنها فقط . وهذا التعقيد في اللغة يتطلب معرفة ثقافة كلّ لغة . وكان المجلسي الأوّل رحمه اللهمدركاً لهذه الحقيقة تمام الإدراك فهو عند شرح هذه الصياغات يذهب إلى ماهو أبعد من المتن ولا يكتفي بشرح المسمّيات وتفسيراتها اللغوية .
يقتفي المجلسي رحمه الله خُطا المحدّثين والمتكلمين المعتدلين والمتقدّمين الشيعة

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۳۳۶ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5646
صفحه از 296
پرینت  ارسال به