219
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

نقول : إنّ بعض هذه الاصطلاحات من صنع العرف وعامّة الناس ، ومع أنّ بعضها الآخر قد صاغه عدّة أشخاص أو جماعة خاصّة ، ولكن صار له استخدام عام ، والبعض الآخر من هذه الكلمات ورد على لسان المعصومين عليهم السلام فقط ، حيث وضعوه كاصطلاح لمعنى خاص .
وقد أشار المجلسي الأوّل رحمه الله نفسه عند الضرورة إلى أنّ ذلك الاصطلاح خاص بالمعصومين عليهم السلام . ومن الأمثلة الّتي تجدر الإشارة إليها فيما يخصّ المجموعة الاُولى من الاصطلاحات هو اصطلاح «مات حتف أنفه» حيث إنّ معناه لا يساوي مجموع «مات» و«حتف» و«أنفه» ، بل مثلما قال المجلسي رحمه الله الّذي اقتفى أثر قواميس اللغة وكتب غريب الحديث بأنَّ هذا المصطلح يستخدم بمعنى الموت الطبيعي ، في مقابل القتل والشهادة والسم . ۱
والمثال الآخر على هذا النوع من الاصطلاح «تَربت يداك» الّذي لا يعني أنّ يديك ملطّختان بالتراب ، بل هي كناية عن الفقر . ۲ وقد اعتمد المجلسي الأوّل في هذا المجال على كتاب لغوي معيّن مثل كتاب أساس البلاغة للزمخشري ، وكذلك على كتب غريب الحديث الّتي يعدّ كتاب النهاية لابن الأثير الجزري(ت ۶۰۶ ه ) أفضلها . واعتمد أيضاً على كثرة تحقيقاته وتتبعه الشخصي . وهذه هي نقطة القوّة الأخيرة الّتي أعانته على شرح اصطلاحات المجموعة الثانية ، أي الاصطلاحات الخاصة بالأئمّة عليهم السلام .
وهو لا يفسّر كلمة «الحكمة» بالعلوم الفلسفية ، كما فسّرها المتطرّفون من أنصار الفكر الفلسفي ، بل يقول : «وإطلاق الحكمة على العلوم الإلهاميّة شائع في الأخبار ، كما رواه الكليني في القوي عن أبي جعفر عليه السلام : ما أجمل عبد ذكر اللّه عز و جل أربعين يوما إلاّ زهده

1.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۷ .

2.المصدر السابق ، ج ۸ ، ص ۱۱۴ . تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاصطلاح يستخدم أيضاً لطلب جديّة المخاطب في العمل .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
218

«الشمخية» من معلوماته في حقل الرجال والتاريخ ، وعلى هذا الأساس وصف هذه الكلمة بالغريبة والقليلة الاستعمال معتبراً قلّة استخدامها سبباً أدّى إلى تصحيفها إلى كلمة «السجيّة» ، فيقول : «المسألة الشمخيّة إمّا بمعنى المسألة الّتي ارتفع القول فيها ، أو بمعنى أنّها مسألة عبداللّه بن مسعود ، فإنّه ابن غافل بن جبيب بن شمخ» . ۱

۲ . المعاني الاصطلاحية

المشكلة الاُخرى الّتي تقف عائقاً أمام فهم المتن هي الاصطلاحات والصياغات الاصطلاحية . فهذه الصياغات عويصة وتخلق مصاعب في جميع اللغات ، خاصّة بالنسبة لمن لا يملكون معلومات عن ثقافة اللغة وماضيها التاريخي ، فهؤلاء تعظم عليهم المصاعب أكثر . ويُعزى سر هذه الصعوبة إلى جانبين :
الأوّل : هو أنّ هذه الاصطلاحات لم توضع مرّة واحدة ، بل لها وضع تعيّني وليس تعييني ـ مثلما يُقال في علم اُصول الفقه ـ أي أنّ معرفة الجيل الواحد بمعناها قد تستغرق سنوات طويلة ، ولهذا فهي لا تدخل في القواميس اللغوية ، وتأتي المعرفة بها عن طريق النقل الشفوي ومن صدر إلى صدر فقط .
الثاني : العلاقة بين معنى الصياغة الاصطلاحية وألفاظها ليست علاقة واضحة وشفّافة . ولغرض توضيح هذه الصعوبة نورد فيما يلي بعض الأمثلة . تأمّلوا في صياغة كلمة «اليد» مع كلمتي «مبسوط» و«طويل» حيث إنّ كلمة اليد لا تعني في أي من هاتين الصياغتين عضواً من أعضاء الجسم ، فعبارة «مبسوط اليد» و«طويل اليد» لا تعني أنّ يده واسعة أو طويلة ، بل هي كناية عن السخاوة والقوة .
في مثل هذه الحالات لا يمكننا العثور على معنى كُلّ واحدة من الكلمات ، ثُمَّ وضع تلك المعاني إلى جانب بعضها لنحصل على المعنى المراد منها . وقبل أن نذكر الأمثلة

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۲۵۳ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5402
صفحه از 296
پرینت  ارسال به