215
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

«يرمين» وتأتي الصيغة السادسة ؛ أي الفعل المنسوب إلى النساء الغائبات . وينسب كلا الأفعال الثلاثة في الحديث المذكور ، يعني : يكفرن ، وتبرّين ، ويدعين إلى النساء الحرائر والأزواج الأصليات لهؤلاء الرجال ، وهو يريحنا بذلك من مشقّة بحث الاحتمالات الاُخرى والسعي للعثور أو إيجاد فاعل آخر غير فاعلي الفعل الأوّل . ۱
ثُمَّ إنّه لابدَّ لفهم المتن من الالتفات إلى اُمور ومعضلات نذكرها فيما يلي واحداً تلو الآخر :

۱ . شرح معاني الكلمات

يستخدم الصرف للعثور على المادة الأصلية للكلمة في قواميس اللغة العربية لغرض معرفة صياغاتها وفهم حالاتها المختلفة ، ولكن الأهم من ذلك هو معرفة المادة والمعنى الأصلي للكلمة . فالكثيرون يرون من خلال الرجوع إلى بضعة قواميس رائجة ومعاصرة أنّ ما جاء فيها حجّة ، فيكتفون بذلك ، ثُمَّ يفسرون الحديث ، بل وحتّى القرآن على أساس ذلك . غير أنّ هذا الاُسلوب ليس عملياً ولا هو صائب على الدوام ، ففي الكثير من الحالات لا يقدم القاموس إلاّ معنى واحداً من الاستعمالات المختلفة للكلمة الّتي يحتمل أنّ الحديث استخدمها بهذا المعنى ، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من هذه الكلمة معنى آخر .
إضافة إلى ذلك فإنَّ سير تطوّر معاني الكلمات والتحوّل الّذي يطرأ على اللغة ينذر بأنّ معنى الكلمة في القرون الاُولى لظهور الإسلام يختلف عن معناها في القرنين العاشر والحادي عشر وفي الزمن المتأخّر والمعاصر ، ومن هنا فليس من الضرورة أن يكون المعنى الّذي قدّمه اللغوي في القرن الثامن للكلمة هو ذات المعنى الّذي كان يُراد منها في القرنين الأوّل والثاني أو قبلهما وبعدهما بقليل ، وهذا ما يؤكد لزوم

1.اُنظر : روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۴۷۸.


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
214

العربية ، واتقان فنون الصرف والنحو والبلاغة ؛ لغرض التحليل والتركيب والعثور على دور الألفاظ وترابطها مع بعضها . وكان المجلسي الأوّل رحمه الله قد اجتاز دروس هذه العلوم حتّى أتقنها إتقاناً تامّاً ، واستعان بهذه المعرفة على الدوام واستفاد منها مرّات ومرّات . وبالإضافة إلى جهوده الشخصية فقد استفاد كثيراً من القواميس وكتب المفردات وغريب الألفاظ . فهو كان يدرك تماماً مدى الفائدة الكبرى لعلم الصرف في القراءات المختلفة للمتن وترجمته . نذكر مثلاً أنّ هذا العلم قد ساعده على وضع احتمالين لكلمة «الهدى» في عبارة «أحسن الهدى» ، هما : «الهُدى» و«الهَدْي» ، وبهذا صوّر لنا إدراكاً أحسن للمتن . ۱ وعلى هذا الأساس أيضاً عرض في الحديث المتعلّق بالخاطب ، وجواب ذوي المرأة له احتمالان ، وقال في حديث : إذا جاءكم من ترضون خلقه : «خلقه بالضمّ ويحتمل الفتح بألاّ يكون معيوباً ». ۲
ويستعين المجلسي الأوّل رحمه الله أيضاً بصياغات الصرف واللغة لشرح الحديث وتسهيل فهمه على القارئ ويوفّر عليه جهد تتبع الاحتمالات المتعددة والبعيدة عن الذهن . فقد كتب عن قول محمّد بن الحسن بن شمّون : كتب أبو الحسن عليه السلام إلى بعض مواليه : لا تلحّوا على المتعة ، إنّما عليكم إقامة السنّة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم ، فيكفرن وتبرّين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا .
ومن يعرف الصرف يعلم أنّ صيغة الفعل «دعا» في جمع المؤنث الغائب هي «يدعون» وليس «يدعين» فاستعمال هذه الصيغة هنا خطأ . إلاّ أنّ المجلسي الأوّل رحمه اللهجاء بشاهد من معجم القاموس يثبت بأنّ «دعيت» لغة في «دعوت» . أي أنّ الصيغة السادسة للفعل المضارع من مادة «دعو» تأتي على وزن «يَفْعلن» ومشابهة للمنقوص اليائي بدلاً من أن تأتي على الوزن الأصلي حيث تكون عين الفعل مضمومة ، مثل

1.روضة المتّقين ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۲ .

2.المصدر السابق ، ج ۸ ، ص ۱۱۶ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5452
صفحه از 296
پرینت  ارسال به