209
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

ثُمَّ إنّه بدأ بشرح الخطبة على أساس كُلّ المتن الّذي في متناول يده ، وعرض ملاحظات دقيقة وعميقة عنه ، وهو ما لا نريد الخوض فيه لكيلا نخرج عن صلب الموضوع .

۴ . الالتفات إلى النقل بالمعنى

آخر مسألة تتعلّق بنقل المتون هي النقل بالمعنى . وهذا يفرض على كُلّ محدّث أن يحدد موقفه من هذا الموضوع قبل التعاطي مع الحديث ، ويفكّر في الإقرار بوقوعه وفي النتائج الكلية والجزئية الّتي تترتب على هذا الإقرار . قال البعض : «إذا أقرّ أحد النقل بالمعنى ورآه أمراً عامّاً ومتداولاً لا يمكنه بعد ذلك الاستناد بشكل تام إلى الألفاظ الدقيقة لمتن الحديث وما فيه من صياغات نحوية ومجازية ، بل يجب عليه الاكتفاء بالقدر المشترك للأخبار» . ولكن هل هذاالمعنى صحيح ويُعمل به؟
تناولنا هذا الموضوع في دروس فقه الحديث ، وأوردنا أدلّة على الادعاء بأنَّ النقل بالمعنى كان شائعاً ، لكن التغييرات الناتجة عنه ليست واسعة أيضاً ومغايرة كثيراً للنقل الأصلي ، بحيث تسقط حجّية متون الأحاديث . وقلنا هناك أيضاً أنّه إضافة إلى اعتبار القدر المشترك للروايات ، تصبح بقية أقسام الأحاديث معتبرة باعتبار حجّية خبر الواحد ، وتسقط حجّية الأقسام المتعارضة مع بعضها فقط ، وهو أمر يأتي كنتيجة طبيعية للتعارض ، ولا ينحصر بنقل الأحاديث بالمعنى ، إذ يحصل في كثير من الحالات أن ينقل الراوي جزءاً من واقعة بينما ينقل راوٍ آخر جزءاً آخر منها . ولهذا السبب يمكن أحياناً ضم كُلّ الأخبار إلى بعضها والنظر إلى جميع المتون واعتبارها حجّة . والتكليف الوحيد الّذي ينتج عن قبول النقل بالمعنى هو عدم الاكتفاء بمتن واحد ورواية حديثية واحدة ، بل إنّ الضرورة تستدعي البحث عن متون مشابهة ذات مضامين متّحدة في موضوع واحد . وهو ما أطلقنا عليه تسمية فصيلة الحديث . وهناك


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
208

في التصحيف ناتج عن الفهم العقلي بأنّ الخصي لا يمكن أن يكون له ولد أو يُحبل امرأة . وهذا ما يُسهّل المجال أمام الشارح للحكم بالتصحيف بكلّ بساطة .
والمثال الآخر على هذا هو حديث : تستحبّ عرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره . عرامة الغلام أي مشاكسة وسوء سلوك الصبي في الصغر تكون سبباً لحكمه وحسن سلوكه في الكِبَر . وبغض النظر عن صحّة وسقم محتوى هذا الحديث ، لا يمكن وضع «الغرامة» بدلاً من «العرامة» فيه . ومن هنا فقد حكم المجلسي رحمه اللهبتصحيف النسخة المنقوطة . ۱

۳ . العثور على تمام المتن

الشيء الآخر الّذي يمكن اعتباره مانعاً آخر يحول دون الحصول إلى أصل المتن هو تقطيع الرواة متن الحديث ، وهو ما يُعد أكبر مانع يحول دون فهم الحديث ؛ وذلك لأنّ هذا العمل يتسبب في حذف القرائن السياقية . ومع أنّ بعض التقطيعات تجرى بصورة فنية ودقيقة ، بحيث يحافظ النصّ على المعنى الّذي كان عليه قبل التقطيع ، ولكن هناك تقطيعات كثيرة تؤدّي إلى عدم الفهم أو إلى سوء الفهم .
المثال الواضح للتقطيع ، النصوص الّتي اختارها الشريف الرضي في نهج البلاغة . فقد نظر برؤية أدبية إلى ما نقله الرواة من خطب ورسائل الإمام عليه السلام ؛ ولهذا فهو لم ينقل الكثير من الجُمل . وقد التفت المجلسي رحمه الله إلى هذه النتيجة ولذلك فهو عندما شرح خطبة الوسيلة لم يعوّل على نهج البلاغة ولم يعتمد على ما نقله الصَّدوق في الأمالي ، وإنّما قارن هذه المتون بالنقل الكامل للكليني وقال : « وفي الكافي زيادات ، وكانّ المصنّف (أي الصَّدوق) انتخب هذه الكلمات منها ؛ لأنّه رواها في الأمالي . . .» . ۲

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۶۵۳.

2.المصدر السابق ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۸ ـ ۱۶۹ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5416
صفحه از 296
پرینت  ارسال به