201
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

اسم كتابه منها أيضاً .
وفي بعض الحالات تكون للفهم المغلوط للحديث نتيجة أسوء من عدم فهمه ورؤيته وسماعه . فالاتجاهات المنحرفة والفرق والنحل الّتي تحسب نفسها على الدِّين ، إنّما ظهرت نتيجة لسوء فهم المتون الدينية وخاصة الحديث . ويؤيد هذا المعنى ما جاء على لسان العالم والمحدّث الشيعي الكبير في القرن الرابع ، وهو الشَّيخ النعماني ۱ في مقدّمة كتابه المعروف باسم الغَيْبة :
«لعمري ما اُتي من تاه وتحيّر وافتتن وانتقل عن الحق وتعلّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلاّ من قلّة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم ، فإنّهم الأشقياء لم يهتمّوا لطلب العلم ولم يُتعبوا أنفسهم في اقتنائه وروايته من معادنه الصّافية على أنّهم لو رووا ، ثمّ لم يدروا لكانوا بمنزلة من لم يرو ، وقد قال جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : إعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنّا و فهمهم منّا ، فإنّ الرواية تحتاج الدراية و خبر تدريه خير من ألف خبر ترويه » . ۲
وفي ضوء ما تقدّم من التحذيرات صرّح المرحوم المجلسي الأوّل رحمه الله في هذا السياق بما يلي : «لا تكن ممّن ينقل الأخبار ولا يفهم معانيها أو يفهمها ولا يتفكّر في عواقبها» . ۳
وانطلاقاً من هذه الأهمية ، وممّا مرَّ في تعريف فقه الحديث ، يمكننا أن ندرك بشكل أفضل مدى أهمية الجهود الّتي بذلها محمّد تقي المجلسي الأوّل رحمه الله طيلة مدّة حياته وأنجز خلالها عملاً يُعتبر من باكورة نتاجات شرح الأحاديث . وهنا يتّضح معنى الكثير من كتابات وكلمات وجهود المجلسي الأوّل رحمه الله وأبحاثه الّتي استغرقت منه كثيراً

1.أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ، المشهور بابن أبي زينب ، (ت ق ۴) .

2.الغيبة ، للنعماني ، ص ۲۲ (المقدّمة) .

3.روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۳۴۹ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
200

من الأفضل هنا أن نستشف مدى أهمية فقه الحديث وفهم الروايات من خلال استقراء نفس أحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، لأنّهم أوّل المنبّهين إلى هذا الأمر الخطير ، وأوّل الشارحين للحديث والسُنّة النبوية . وكانت لهم جهود متواصلة في كشف معانيه ، ثُمَّ نأتي من بعد ذلك ـ بمناسبة المقال ـ إلى إدراك مدى أهميّته من خلال ما ورد على لسان المرحوم المجلسي الأوّل رحمه الله حيث يُعتبر شرحه الكبير على كتاب من لا يحضره الفقيه وما لقيه من مشقّة في تأليفه ، يُعتبر بحد ذاته شاهداً على ما ذكرنا .
نقل عبيدة السلماني تحذير الإمام علي عليه السلام في هذا المجال على النحو التالي :
يا أيّها الناس ، اتقوا اللّه ولا تفتوا بما لاتعلمون ، فإنّ رسول اللّه عليه السلام قد قال قولاً آل منه إلى غيره وقد قال قولاً ، من وضعه في غير موضعه ، كذب عليه . . . . ۱
وحذا الإمام الصادق عليه السلام حذوه معتبراً مثل هذا الحذر ضرورياً في التعاطي مع أحاديثه وأحاديث الأئمّة الآخرين ، فقال :
حديث تدريه خيرٌ من ألفٍ ترويه . ولايكون الرجل منكم فقيها حتّى يعرف معاريض كلامنا ، وإنّ الكلمة من كلماتنا لتنصرف على سبعين وجها ، لنا من جميعها المخرج . ۲
وقال هذا الإمام الهمام أيضاً في وصف من يفهم معاني كلام الأئمّة :
أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان ، لصرف كلامه كيف شاء و لا يكذب . ۳
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشَّيخ الصَّدوق مؤلّف كتاب من لا يحضره الفقيه استهلّ كتابه الأصلي في مجال فقه الحديث ، وهو كتاب معاني الأخبار ، الّذي يُعد مصدراً قديماً ومعتبراً ونادراً في حقل فقه الحديث ، بالرواية المذكورة آنفاً ، واستقى

1.تهذيب الأحكام ، ج ۶ ، ص ۲۹۵ ، ح ۸۲۳ .

2.معاني الأخبار ، ص ۲ .

3.المصدر السابق ، ص ۱ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5532
صفحه از 296
پرینت  ارسال به