الفصل الخامس : ألفاظ المدح والذمّ
تداول عُلَماء الرجال المُتقَدّمين وصف الرواة بألفاظ خاصّة فبيّنوا لنا حالهم من جهة الوثاقة ، أو الفضل الّذي لا يصل إلى مرتبة الوثاقة ، أو صحَّة العقيدة ، أو ما يُضاد هذه الصفات الثلاثة . فالألفاظ الحاكية للصفات الثلاثة الاُول تسمّى بألفاظ المدح ، والألفاظ الحاكية لضدّها تسمّى بألفاظ الذمّ .
ولا يخفى أنّ المدح أعمّ من الوثاقة ، فألفاظ المدح قد تدلّ على الوثاقة (مثل : ثقة ، عدل . . . ) وقد لا تدلّ (مثل : مرضي ، عابد . . . ) . فإذا بلغ المدح المستفاد منها إلى حدّ التوثيق تسمّى بألفاظ التوثيق ، وإذا لم يبلغ إلى ذلك الحدّ تبقى تسميتها بألفاظ المدح . وكذلك الذمّ أعمّ من الجرح ؛ لأنّ أَلفاظ الذمّ بعضها يدلّ على فسق الموصوف بـ (مثل : كذّاب ، غالٍ . . . ) فيسمّى عندئذ بألفاظ الجرح ، وبعضها الآخر يفيد سقوط المرويات الّتي رواها الموصوف بها عن الحجية فقط ( مثل : ضعيف الحديث ، مضطرب الحديث ، ليّن الحديث . . . ) ولا يدلّ على القدح في عدالة الرجل نفسه .
لكن مع الأسف أنّ هذه الألفاظ الّتي كان مدلولها واضحاً في عرف المُتقَدّمين طُمست مع تقدّم الزمان والتغييرات الّتي طرأت عبر القرون على حقلي اللغة والعرف ، بحيث بات من العسير فهم المراد منها ، فأحسّ المتأخّرون من علمائنا ضرورة تفسيرها وقام بتلك المهمّة عدد منهم مثل ثاني الشهيدين والشارح والوحيد