103
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

مسلم وبريد وغيرهم ، وكانت كتبهم عندهم وكانوا ينظرون إلى الكتب ويقابلونها مع كتبهم ولا يحصل المخالفة في شيء من الفاء والواو ، فيعلمون أنّهم كانوا ثقات وكان مدارهم على ذلك .
ومتى سمعت أنّ أحداً من الضعفاء شرب خمراً أو قامر أو فعل صغيرة؟ وحاشاهم أن يفعلوا أمثال هذه المخالفات ، بل كان ضعف الحديث غالباً بنسيان في النقل ، ولو فعل في خبر مثل ذلك كانوا لا يعتمدون على كتابه ولا ينقلون عنه وكانوا يسمونه كذاباً ؛ فإنّه روي عن وهب بن وهب أنّه نقل خبراً للمنصور في جواز الرهان على الطير ، وكذا عن حفص بن غياث للرشيد مع أنّ الخبر الّذي روياه ذكره المصنف وحكم بصحّته ، لكن لا يدلّ على المطلوب ، وإنّما كان فيه ذكر الريش وهو كناية عن السهم فتوهما الإطلاق وذكراه لهما ، فلهذا سموهما كذابين . ومن تتبع الأخبار والآثار لا يبقى له شكّ فيما ذكرناه ولا يحتاج إلى إدراك الزمان ، حتّى يحكم بتوثيق أحد فإنّا لم ندرك الشهيد الثاني ولا الأردبيلي ونجزم بعدالتهما وثقتهما لما تواتر ذلك وتتبعنا آثارهما ، بل الغالب في حكمهم بالضعف إمّا روايتهم الأخبار الّتي وردت في أسرار الأئمّة ، أو كانوا يروون من العامة للتأييد وكانوا يسمونه مخلّطاً ولا يعتمدون على كتبهم لذلك» . ۱

إطلاق التوثيق في الكتب الرجالية يدلّ على أنّ الرجل إمامي

يقول الشارح في باب المتعة من كتاب النكاح بعد نقل روايات وقع في سندها سيف بن عميرة ما يدلّ على هذا المعنى ، حيث قال : «.. . فعمل بها جماعة من الأصحاب ولم يعمل بها الأكثر ؛ لأنّه واحد لاشتراك سيف في الجميع وهو وإن كان ثقة ، لكن نقل عن ابن شهرآشوب المازندراني أنّه واقفي وإن كان الحكم بوقفه به

1.روضة المتّقين ، ج ۱۴ ، ص ۱۷ ـ ۱۸ .


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
102

مدار القدماء في توثيق الرواة عدم وجود الغلط في كتبهم

يقول الشارح في أوائل شرح المشيخة : « . . . وأمّا ما ذكره بعض الأصحاب أنّه يشترط في المزكي أن يكون عدلين وبالغ في اشتراطه بوجوده كثيرة رداً على شيخنا البهائي رحمه الله ، وذكر شيخنا وجوهاً في الرد عليه فعلى تقدير الاشتراط لا يوجد رجل لم يوثّقه عدلان . وقسّم هذا الفاضل ۱ الأخبار على (صحى) و(صحر) بما يكون صحيحاً عنده ، وصحيحاً عند الجمهور وأسقط أكثر الأخبار الصحيحة عن الصحّة عنده ظناً منه أنّ من لم يوثّقه القدماء فليس بثقة ولم يعتبر توثيق العلاّمة والسيّد ابن طاووس والشهيد الثاني ، بل أكثر الأصحاب بشبهة أنّهم ناقلون عن القدماء .
وهذا خيال ضعيف ؛ لأنّ المدار على الشهادة ، ومن أين علم أنّ هؤلاءِ الأجلاء شهدوا كذباً ، بل جميع أصحابنا ، حيث عدّوا أخبارهم صحيحة ، مع أنّهم لو ذكروا وجه الصحّة ـ كابن داوود والمتأخّرين بأنّه قالوا : ثقة رجال الشَّيخ أو الفهرست ـ لكان له وجهاً ، وإن كان الظاهر من قولهم : «ثقة» الحكم بالتوثيق ، وذكر هؤلاءِ لتقوية قوله .
نعم ، إن قالوا : «وثّقه الشَّيخ أو النجاشي» فهو نقل التوثيق عنهما ، على أنّ حكم القدماء بتوثيق من وثّقهم كان أيضاً من النقل ، فينبغي ألاّ يعتمد على توثيق أحد ، سيّما إذا كان بمجرد نقلهم من الكتاب ؛ لأنّه تقدّم الأخبار بأنّه لا يجوز التعويل على الكتابة .
فإن قال : إنّه لم يصل إلينا توثيق هؤلاء الأجلاء فكيف يعتمد على تزكيتهم؟
قلنا : وصل إلينا متواتراً أو مستفيضاً ثقتهم وعدالتهم مع تتبع كتبهم الواصلة إلينا متواتراً ، ويعلم من تقواهم أنّ مثل العلاّمة ـ مع كونه آية اللّه في العالمين ـ لا يجزم بفتوى غالباً ومداره على الإشكال والنظر ، بل الظاهر للمتتبع أنّ مدار القدماء في التوثيق كان على هذا ؛ فإنّ محمّد بن أبي عمير كان ينقل في كتابه عن زرارة ومحمّد بن

1.أي حسن بن زين الدين صاحب المعالم .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5428
صفحه از 296
پرینت  ارسال به