199
الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي

طريق فهمه . ۱
ومع أنّ كُلّ واحد من علوم الحديث مهم ، بل وضروري بجميع فروعه ، غير أنّ أكثرها التصاقاً بشرح وفهم المراد الأصلي من الحديث وتيسير الاستفادة منه في العلوم الإلهية والإنسانية وتطبيقه في الحياة ، هو علم فقه الحديث ، الّذي لو استخدم بشكل صحيح وطوى مساره المنطقي بالتمام والكمال ، لقَرَّبَنا إلى المفهوم الحقيقي للحديث ، وعَيَّن لنا ـ بعد اجتياز مرحلة النقد والتمحيص ـ واجبنا العلمي والعملي . وبعد الفراغ من حجيّته ، يضفي الاعتبار على هذا الواجب ، وينتج عن ذلك أنّ عملنا يكون مستنداً إلى الدين .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ النجاح في هذا الفرع ، يؤدّي إلى أن تثمر جهودنا في الفروع الاُخرى لعلوم الحديث ، ويتسنّى للباحث في علوم الحديث عند ذاك إدراك جمال كلام أهل البيت ، والتلذذ بفهم الحديث ، ويجعلنا نقف على معنى كلام الحاكم النيسابوري حين يقول : معرفة فقه الحديث ثمرة علوم الحديث وبه قوام الشريعة . ۲
والملاحظة المهمّة في هذا المجال هي أنّ كُلّ ما نقوله حول الحديث ، وأي نوع من الاستفادة من الحديث ترجع بشكل مباشر إلى فهم الحديث . فإن لم يُفْهم الحديث فكأنّما لم يُقرأ ، ولم يكن موضع استفادة .

1.تُقسم علوم الحديث من خلال نظرة عامّة إلى قسمين هما : العلوم الّتي تُعنى بدراسة رجال وسند الحديث ، والعلوم المتعلّقة بالمتن ومحتواه. والقسم الثالث من علوم الحديث تُطل على كلا القسمين الأوّليْن ، أو أنّها تستعين بمعطيات كلا القسمين للإبداع وحل مسائلها. يدخل القسم الأوّل والاُمور المتعلّقة بأحوال الرواة ومعاصرة واتّصال طبقاتهم مع بعضها الآخر ، وما إلى ذلك من القضايا المتعلّقة بإسناد الروايات ، يدخل ضمن قسم علم الرجال ، وهو يمثّل على الدوام دعماً يعاضد حجيّة ومقبولية الحديث. القسم الثاني من علوم الحديث هو فقه الحديث ، والقسم الثالث يُعنى بفروع جانبية مثل مصطلح الحديث ، ونقد الحديث ، وتاريخ وببليوغرافيا الحديث ، ويأخذ حيّزه إلى جانب القسمين السابقين من أقسام علوم الحديث.

2.معرفة علوم الحديث ، ص ۶۳.


الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
198

فاحصة على أربعة مجلّدات من هذا الكتاب ۱ ، ورجعنا إلى واحد أو اثنين منها في حالات معيّنة . ويتّضح لنا من خلال ذلك أنّ هناك مجالاً واسعا لإجراء تحقيق أشمل وعرض المزيد من الشواهد . ومن الطبيعي أنّ قلّة المصادر والمتون في حقل فقه الحديث توجب على المفكّرين من الشباب تقديم بحوث أكثر حداثة وعمقاً .
نبدأ أوّلاً بتقديم تعريف لفقه الحديث من وجهة نظر مقبولة ومعاصرة ، ونبيّن مدى مكانته وأهميّته ، ثُمَّ نأتي على تبيين المسار المنطقي والمتداول لفهم الأحاديث ، خاصّة الأحاديث الّتي تتطلب الشرح والتفسير ، ونعرض بعد التوضيح المقتضب لكلّ مرحلة مصاديق وأمثلة من الأعمال الّتي قام بها الشَّيخ محمّد تقي المجلسي الأوّل رحمه الله .

التعريف بفقه الحديث

«فقه الحديث : هو العلم الّذي يبحث في متن الحديث ويقرّبنا إلى المقصود الأصلي لقائل الحديث من خلال عرض الاُسس والسير المنطقي لفهمه» .
هذه الأُسس والأساليب الّتي تستخرج من قواعد أدبية واُصولية وكلامية وغيرها من القوانين العقلية والعقلانية ، ويتمّ تعريفها في قالب مسار منطقي وعملية فاعلة . تساعدنا على العثور على المعنى الأصلي للحديث والفهم الصحيح ، والأفضل لما يراد منه ، وكذا تساعدنا على وضعه في نظام اعتقادي متماثل ، بحيث لا يقع أي خلل في تماسك البُنية اللغوية والعقلانية السائدة في الأحاديث .

مكانة فقه الحديث وأهميته

فقه الحديث من العلوم الّتي تُعنى بمتن الحديث ، وهو ـ أي فقه الحديث ـ يساعد على فهم مضمون الحديث ، ويضطلع بمهمّة شرح متنه وإزالة العقبات الّتي تعترض

1.المجلّدات هي : ۱ ، ۸ ، ۱۲ ، ۱۳ .

  • نام منبع :
    الأُسس الحديثيّة و الرّجاليّة عند العلّامة الشّيخ محمّد تقي المجلسي
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدرضا جدیدی نژاد و عبدالهادی مسعودی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5489
صفحه از 296
پرینت  ارسال به