9
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

الضرورية والهامّة مزيد اهتمام واعتناء ؛ حيث إنّهم لم يخطر في أذهانهم ما يدعو إلى ذلك. ومن هذا المنطلق غشي الجهل كثيرا من حقائق العصور الاُولى، لذلك كثرت الأسئلة والمناقشات والفروض حولها، وإن كان العديد منها مجرّد تصوّرات واحتمالات ضعيفة لا تمتّ إلى الحقيقة والصواب بصلة.

ولذلك أيضاً تغيّرت صورة العديد من الأبحاث والحقائق والملاكات التي كانت مورد بحث ونقاش عند المتقدّمين فانقلبت وتحوّلت إلى شكل آخر عند المتأخّرين، فضلاً عن أنّ قسما كبيرا منها لم يبحث بشكل مناسب عندهم، من جملتها عدد لا يستهان به من الأبحاث الرجاليّة التي يُتعرّض لها في مواضع التعارض بين الأدلّة والأخبار، والتي يعسر حلّها على الباحث ؛ فيعجز عن معرفة وجه هذه المعارضة الظاهرية، وطريقةِ التخلّص منها عند عدم التمكن من حلّها، والمعنى الذي يكمن في بعض هذه الأحاديث، ومسائل اُخرى في الاُصول والحديث ودرايته التي نرى فيها خلافا كبيرا ونقاشا طويلاً في زماننا هذا.

وقد عكس هذا الغموض آثارا سلبية عديدة ؛ كحدوث مخاصمات وتعصّبات كثيرة، وحصول انقسامات في الصفوف، وكذلك اندلاع نيران الغضب بين بعض الضعفاء والجهّال. ولا ريب أنّ ذلك كلّه إنّما نجم عن ضعف الأدلّة والمعلومات، أو قلّة الممارسة والخبرة، أو التقليد في المسائل التي لا ينبغي التقليد فيها.

هذا عن الظروف الماضية، وأمّا بالنسبة إلى الظروف الحاليّة والمستقبليّة فيمكن تفادي مقدار كثير من هذه الأبحاث والمناقشات ـ الناتجة عن خفاء أمارات العلم والمعرفة ـ بإحياء حركة علم الحديث في عصرنا هذا الذي لا يزال بعيدا عن تسنّم موقعه اللائق به، والذي افتقده تدريجيا من بعد الشيخ الطوسي رحمه‏الله. على أنّ في أحاديث الأئمّة عليهم‏السلام ثمّة ثروة علميّة عظيمة لا تسمح بظهور الخلافات، فكثير من المناقشات التي يتوهّم أنّها فاقدة للأدلّة تمتاز بكونها ذات أدلّة في النصوص، ولكن لا يعرفها إلاّ من كان له إلمام بها ومعرفة بمحالّها، وكذلك هناك الكثير من أمارات العلم والمعرفة


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
8

أهمّية هذه المجموعة الثمينة وتحقيقها، وما تلعبه من دور كبير في إزاحة ذلك الغموض الذي أحدق بتلك المسائل طيلة قرون متمادية.

هذا وقد واجهتنا في بادئ الأمر بعض الصعوبات والعقبات ؛ ذلك أنّ هذا النمط من الحديث لم نألفه من قبل، ولم نره في كتب الحديث المتداولة، لكنّها ـ بحمد اللّه‏ ـ زالت شيئا فشيئا، وكمل تحقيق المجموعة، وخرجت بهذه الصورة التي نقدّمها إلى مجامعنا العلمية.

أضواء على المجموعة

قال المولى الوحيد البهبهانيّ رحمه‏الله في مطلع مقدّمة كتابه الفوائد القديمة: «أمّا بعد، فإنّه لمّا بعُد العهد عن زمان الأئمّة عليهم‏السلام، وخفي أمارات الفقه والأدلّة، على ما كان المقرّر عند الفقهاء، والمعهود بينهم بلا خفاء، بانقراضهم وخلوّ الديار عنهم، إلى أن انطمس أكثر آثارهم، كما كانت طريقة الاُمم السابقة، والعادة الجارية في الشرائع الماضية ؛ أنّه كلّما يبعد العهد عن صاحب الشريعة، تخفى أمارات سديدة قديمة، وتحدث خيالات جديدة، إلى أن تضمحلّ تلك الشريعة»۱.

أقول: ما أحسن ما قاله الوحيد رحمه‏الله، فإنّ ابتعادنا عن زمن أئمّة أهل البيت، وخفاء قرائن الفقه والعلم، والمصائب التي واجهها موالو آل محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، كلّ ذلك كان من جملة الأسباب الرئيسية في اندثار الكثير من آثارهم إن لم نقل معظمها، من جملتها الرسائل والكتب الحديثية والروايات الأوّلية لأصحاب الأئمّة الذين أخذوا العلم والحديث عنهم مباشرة أو بوسائط قليلة، وكان ذلك عاملاً مهمّاً في ضياع كمّ هائل من المعارف التي تدور حول الحديث والرواية وكيفيّتها ومجالسها وكتبها.

هذا مضافا إلى أنّ علماءنا في السابق لم يولوا مسألة تدوين تلك النكات

1.. الفوائد الحائرية : ص۸۵ .

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3472
صفحه از 428
پرینت  ارسال به