21
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

أغلب أحاديث هذه المجموعة موجود في كتب الحديث المرويّة من قبل أصحابنا، فبعضها متّحد معها في الطريق وفي اللفظ، وبعضها متّحد معها في اللفظ مختلف من حيث الراوي. فمثلاً يوجد في أصل: «عن جابر عن أبي جعفر عليه‏السلام...»، وفي آخر: «عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه‏السلام يقول...». وقسم آخر من الروايات يكون مختلفا معها من حيث الراوي، ومتّحدا أو شبيها لها ـ في بعض فقراتها أو أغلبها ـ من حيث المعنى، سواء كان ذلك عن نفس ذلك الإمام أو عن غيره من المعصومين.

فالمراجع يلاحظ بوضوح تطابق أحاديث المعصومين بعضها مع بعض وانسجامها واتّحادها من حيث المعنى رغم صدورها في أزمنة مختلفة، بل في كثير من الموارد تكون ألفاظها متّحدة تماما كأنّها صدرت عن شخص واحد في زمان واحد، وهو من أعلى مظاهر الإعجاز، وحقّانية حركتهم، وإلهيّة دعوتهم.

وهناك مسألة ينبغي التنبيه عليها ؛ وهي أنّ اعتبار هذه الكتب ليس بمعنى صحّة ظواهر جميع الأحاديث التي وردت فيها من حيث الحكم، بل بمعنى أنّها رويت بهذه الصورة، أمّا الميزان في اعتبارها في مقام العمل فيخضع لقواعد علم الحديث التي وردت عن المعصومين. ولذا نرى المجاميع التي دوّنت على أساس هذه الاُصول انتخب أصحابها ما كان يناسب موضوع كتابهم وكان حجّة بنظرهم في مقام العمل وصحيحاً من حيث المعنى، أو كان لها مكانة خاصّة فتركوا التي لم يكن لها مثل هذه المميّزات. فكتب الحديث ـ على هذا ـ تنقسم إلى قسمين: فقسم منها يورِد ما ورد عنهم عليهم‏السلام، وقسم يختصّ بما هو معتبر عند كاتبها في مقام الحكم والعمل. ولذا يوجد في أحاديث هذه المجموعة ما صدر منهم عليهم‏السلام لأجل بعض المصالح لا اعتقادا بذلك ؛ كالمماشاة مع الرأي العام، أو لاقتضاء الظروف ذلك في تلك الأزمنة، أو لأخذهم عليهم‏السلام ذهنية المخاطب بنظر الاعتبار، أو ما شابه ذلك. وعليه، يجب ألاّ يستغرب القارئ عندما يواجه فيها أخبارا مخالفة لما هو المشهور ؛ للأسباب المذكورة.

ومن هنا لم يهتمّ أغلب المحدثين بهذا القسم من الأخبار، ولم ينقلوها في كتبهم


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
20

وبخلوا بها عليه۱.

ولكن الذي يضعّف هذه الرأي أنّ الشيخ الحرّ استفاد منها في كتابه إثبات الهداة، وهو من الكتب التي ألّفها في مطلع حياته العلمية، وكان ذلك قبل تأليف الوسائل.

وكتب الشيخ الحرّ على ظهر النسخة التي اعتمدنا عليها في تحقيقنا ـ وكانت من ممتلكاته ـ: «اعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر، فرأيت أكثر أحاديثها موجودا في الكافي أو غيره من الكتب المعتمدة، والباقي له مؤيّدات فيها، ولم أجد فيها شيئا منكرا سوى حديثين محتملين للتقية وغيرها». ووقّع تحته بهذه العبارة: «حرّره محمّد الحرّ».

وقال العلاّمة المجلسي في توثيقه لكتاب زيد النرسي والزرّاد ـ كما سيأتي ـ: «إنّا أخذناهما من نسخة قديمة مصححة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وذكر أنّه أخذهما وسائر الاُصول المذكورة بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري رحمه‏الله»۲.

وقال في المستدرك حول نسخته من هذه المجموعة: «وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ـ كما صرّح به في أوّل البحار ـ ومنها انتشرت النسخ»۳.

أقول: فنعم ما أقرّ به الشيخ الحرّ، وهو من المطّلعين على أحاديث العترة ؛ فإنّ

1.. أقول : إنّ ظاهرة احتكار الكتب ومنع روّاد العلم والمعرفة من الإفادة منها والارتشاف من مناهلها ، تعدّ ـ في الحقيقة ـ من الظواهر السيئة والدنيئة في المجتمع ، ولقد تحمّل العلماء والمثقّفون من جرّاء ذلك ـ وعلى مرّ العصور ـ الكثير من المعاناة . يحكى أنّ العلاّمة المجلسي رحمه‏الله كان قد احتاج إلى بعض الكتب الموجودة في أصفهان ، فطلبها من أصحابها فرفضوا إعطاءه إيّاها بالرغم من منزلته ورئاسته ونفوذه ، فكيف بالآخرين!
ولا تزال الظاهرة نفسها قائمة في أوساطنا العلمية بالرغم من كثرة المكتبات والإمكانات والتقنيات ، فكم يلاقي الباحث والمحقّق من عناء ومشقّة ورفض في سبيل الحصول على بعض النسخ أو مصوّرة عنها !

2.. بحار الأنوار : ج۱ ، ص۴۳ .

3.. خاتمة مستدرك الوسائل : ج۱ ، ص۳۸ .

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3523
صفحه از 428
پرینت  ارسال به