19
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

الأحيان بأقلّ من التأثير السياسي ؛ فالمجتمع الذي لا يستطيع طلبة العلم فيه من توفير أبسط المقوّمات الاقتصادية اللازمة لهم، لا يستطيع صرف الوقت والاهتمام في سبيل حفظ تراثه واستمرار نموّه وحياته على طول الأيام، فيوما بعد يوم يبتعد عن علومه وتراثه حتى يأتي زمان يؤول الأمر فيه إلى تعسّر معرفة شيء لأحد عن بعض تلك العلوم كما في العصر الحاضر. وهذا مصداق كلام مولانا أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلاة المصلّين ـ حيث قال: «يموت العلم بموت حامليه».

فتلفت الكتب وضاعت واندرست ولم يبقَ منها حتّى أسماؤها، اللّهمّ إلاّ عند بعض أهل العلم ممّن يهتمّ بعلوم أهل البيت عليهم‏السلام، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّه بعد انقراض الدولة الصفويّة تدهورت الأوضاع الاقتصاديّة بشدة، ولم يكن للكتب الدينية آنذاك قيمة تُذكر، بحيث إنّ كمّيات كبيرة منها كانت تباع بأسعار زهيدة جدا، حتّى إنّ السيّد نصر اللّه‏ الحسيني الحائري رحمه‏الله ـ الشهيد في إسلامبول ـ عندما سافر من الحائر إلى أصفهان اشترى في صفقة واحدة ألفي كتاب ـ من أحسن الكتب ـ بسعر زهيد جدا، فأخذها معه إلى العراق وحفظها. ولا يعرف عدد الكتب التي خرجت من محالّها وضاعت وذهب أثرها من صفحة الوجود !

التعريف بكتب المجموعة واعتبارها

يعود تاريخ التعرّف على هذه المجموعة الثمينة إلى العصر الصفوي، وبالتحديد من قِبل العلاّمة المجلسي، حيث أدرج الكثير من محتوياتها في البحار. ولمّا كانت هذه المجموعة تتمتّع بأهمية قصوى فقد اعتنى بها بعض أرباب الفن ممّن اطّلعوا عليها، فتكثّرت نسخها من بعد العلاّمة المجلسي، لكن رغم ذلك نرى أنّها كانت مستورة عن أنظار الكثيرين ولم يطّلعوا عليها. أمّا الشيخ الحرّ فالظاهر أنّه لم تصل إليه إلاّ بعد الفراغ من تأليف كتاب الوسائل، حيث لم تسمح له الظروف بأن يدرجها في الوسائل. ويُنقل أنّه كان على علم بموضع النسخة، فطلبها من أصحابها فلم يلبّوا طلبه


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
18

مراجعة نفس تلك الاُصول ؛ حيث كان الكثير منها فاقدا للتبويب وأيضا يتطلّب من المراجع صرف الوقت الطويل.

وكان من جملة العوامل أيضا أنّ الكثير من تلك الكتب كانت حيازتها بحاجة إلى مال كثير خارج عن قدرة الأفراد.

ومن الملاحظ أنّه بعد مضي جيلين أو ثلاثة لم تعتنِ الحوزات الدينية بتلك الكتب، ونشأت الزعامة الدينية في هذه الأجواء، لذلك لم تولها الاهتمام والرعاية المناسبة.

ولذا نجد جلّ الكتب التي كتبها فضلاء المسلمين ـ الموالين لأهل البيت عليهم‏السلام ـ في التاريخ والمغازي والفضائل قد انعدمت. ولكن مع ذلك فإنّ ما ورد منها في كتب القوم كثير، وذلك لم يكن عن اختيار ورغبة منهم بل عن اضطرار ؛ لأنّهم لو أعرضوا عنها لما بقي لهم شيء. وبذلك اعترف الذهبي في مقدّمة أحد كتبه الرجالية في جوابه عن الاعتراض القائل: لماذا ينقل كثيرا في كتبه عن رواة الشيعة؟

واستمرّت هذه المرحلة إلى عصرنا الحاضر باستثناء بعض الفترات التي تخلّلته ؛ كالعصر الصفوي الذي ازدهرت فيه أيضا حركة علم الحديث ؛ فإنّ معظم التراث الشيعي الموجود اليوم هو إمّا من نسخة مستنسَخة في ذلك العصر، وإمّا من نسخة مستنسَخة عن نسخة كتبت في ذلك العصر. ولا يخفى على المحصّلين الدور الهامّ الذي كان لعلماء هذا العصر في تنشيط حركة علم الحديث التي كان من نماذجها المهمّة ما قام به العلمان المجلسيّ والشيخ الحرّ العامليّ رحمهمااللهمن جهود مضنية في هذا المجال ؛ فإنّ الكثير من النسخ الخطّية إمّا ترجع إليهما أو ترجع إلى نسخة استنسخت عن نسخهما.

فهذه ثلاث مراحل من مراحل ضياع التراث الإسلامي، والسياسة كانت أهمّ عامل مؤثر في طمسه، وكان لها تأثير سلبي شديد ومباشر على اقتصاد المجتمع، خصوصا طبقة العلماء المناوئين للسياسة الحاكمة، ولم يكن التأثير الاقتصادي في كثير من

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3502
صفحه از 428
پرینت  ارسال به