17
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

الثانية: ضياعه من بعد عصر الإمام الصادق وزمن قوّة شوكة العبّاسيّين إلى زمن الشيخ الكليني ـ أي ابتداء القرن الرابع وضعف الدولة العبّاسية وتقهقرها واستيلاء البويهيين على الخلافة ـ ففي هذا العصر نشطت حركة علم الحديث ؛ لأنّ بعض الضغوط على أنصار أهل البيت قد خفّت، ولمسوا في هذا العصر نوعا من الحرية.

الثالثة: من زمن الشيخ الطوسي ـ وتحديدا من بعد استيلاء السلاجقة على الحكم العبّاسي وزوال البويهيين ـ وعودة اضطهاد الشيعة في هذا العصر، وإحراق مكتبة شابور في بغداد التي كانت تحتوي على نفائس التراث الإسلامي، والهجوم على الأماكن المقدسة للشيعة وعلى منزل الشيخ الطوسي رحمه‏الله ـ الذي كان يمثّل الزعامة الشيعية في العالم الإسلامي آنذاك ـ وعلى الشيعة وممتلكاتهم في ذلك العصر.

إنّ ضياع ذلك الكمّ الهائل من كتب الأصحاب في بغداد عاصمة الخلافة العبّاسية ـ والتي استطاع الشيخ والنجاشي رؤيتها وإدراج أسمائها في فهرسيهما بالرغم من إفناء قسم كبير منها أيضا قبل ذلك العصر، والتي لم يبقَ منها اليوم إلاّ أقلّ القليل ـ يحكي عن وقوع كارثة عظمى في كتب الطائفة التي كان لها قصب السبق في العلوم الإسلاميّة، ولها التقدّم الملحوظ في تدوين الحديث وحفظ الشريعة والآثار النبويّة... كارثة خلّفت وراءها انطماس القسم الأكبر منها خلال قرن واحد فقط.

ولذا نرى أنّ ابن إدريس؛ كان يستطرف من بعض الكتب التي وصلت إليه شذرات عامة ويلحقها بكتابه ؛ ولعلّ من أسباب ذلك أنّه لم يكن يطمئنّ ببقائها على‏حالها، فعمد إلى ذلك لتصل كما هي إلى الأجيال القادمة. وما كان هذا إلاّ لعدم الرغبة فيها والاعتناء بها، وعدم تعاهدها ودراستها واستنساخها ؛ لذلك بقيت متروكة على حالها، وبتعاقب الأزمنة اندرست وذهب أثرها من الوجود، ولم يبقَ منها اليوم سوى أسمائها.

ومن جملة أسبابها أيضا أنّ فقهاءنا في العصور الاُولى كانوا محدّثين ؛ يراجعون كتب الأخبار لاستخراج الأحكام، وكان هذا عاملاً مؤثراً في بقائها. ومن بعد تبويب الأحاديث الفقهية وتجميعها في الجوامع الحديثية سهل الأمر عليهم واستغنوا عن


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
16

ومن مراجعة محتويات هذه المجموعة وأوصافها وما جاء عنها في كتب الفهارس، يظهر أنّ كلّ تراثنا الحديثي المتبقّي إلى اليوم إنّما هو مقدار يسير من التراث الذي حفظ من الدمار الذي تعرّضت له آثار الشيعة من بعد وفاة الإمام الصادق عليه‏السلام إلى زمن الشيخ الكليني رحمه‏الله، وإن كان ما تبقّى منه إلى اليوم عظيماً أيضا.

وهذه المجموعة الروائيّة من حيث اشتمالها على حقائق هامة عن كيفية الرواية في كتب المتقدّمين، وبخاصّة أصحابنا، تكاد تكون أهمّ كتاب من نوعه وأقدم كتاب سلم من الاندراس والضياع ؛ حيث يكشف عن حقائق مهمّة كثيرة كانت مبهمة منذ قرون.

وبفضل بقائها إلى اليوم أمكن تفسير جانب مهم من جوانب تاريخ أصحابنا الروائي ـ الثقافي الذي خيّم عليه الغموض طيلة قرون متمادية.

وأمّا الكلام حول حركة علم الحديث في الشيعة ـ التي ابتدأت بصورة ملموسة من زمن الإمام الباقر عليه‏السلام ـ وكيفية أخذ الحديث ومجالس الحديث في ذلك العصر، فنرجئه إلى فرصة قادمة إن شاء اللّه‏ ؛ لأنّه بحاجة إلى دراسة مستقلة ومفصّلة، وربّما فتحنا له ـ بإذن اللّه‏ ـ فصلاً في كتابنا الكبير في الأخبار.

مراحل ضياع التراث الإسلامي عبر القرون

ويمكن لنا أن نقسّم مراحل ضياع التراث الإسلامي إلى ثلاث مراحل رئيسية:

الاُولى: ضياعه من بعد وفاة الرسول الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وفي فترة المنع عن تدوين الحديث واستيلاء بني اُميّة على الحكم والخلافة، إلى زمن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‏السلام ؛ فإنّ غالب السنّة النبويّة والأخبار العلويّة التي حفظها الصحابة والتابعون في الكتب قد ضاعت في هذه المرحلة ؛ وذلك لإخفائها عن الناس خوفا من المتغلّبين على السلطة الساخطين على أصحاب هذه الكتب وعلى ما احتوته كتبهم. وأمّا في زمن الإمام الباقر والصادق عليهماالسلام فقد نشطت حركة علم الحديث في العالم الإسلامي.

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3591
صفحه از 428
پرینت  ارسال به