العلميّة لاستخراج لآلئها وإحيائها كما فعل ابن أبي عمير.
وكان من جملة الأسباب التي دعت إلى ذلك أنّ الرواة المتظلّعين ـ أمثال ابن أبي عمير ـ كانوا ينتخبون الأحاديث التي تمتاز بأهمّية خاصّة عندهم ؛ كعدم ورودها عن شخص آخر، أو أنّ الرواية في ذلك المعنى قليلة، أو وجود غموض في بعضها، أو احتواء الرواية على بعض الإيضاحات أو المعاني الإضافية.
ولأغراض معيّنة كانوا يلخّصون بعض كتب الرواية والاُصول التي كانت تنسب إلى الأشخاص، وكانوا يحتفظون بذلك المنتخب عندهم بصورة مستقلة، أو أنّ هذه الكتب لم تكن لهم وإنّما كانوا يستعيرونها من أصحابها لعدم القدرة على الشراء، فينقلون ما يهمّهم من الأحاديث ثمّ يردّونها إلى أصحابها. ولذا نرى أنّ الكتب المنسوبة إلى الأفراد بصورة مطلقة متعدّدة ويختلف بعضها مع بعض ؛ ولأجل ذلك نجد أصحاب الفهارس يقولون: «له كتاب»، وأحيانا يضيفون: «إنّ لكتابه روايات متعدّدة ؛ فهي مختلفة ومتعدّدة باختلاف رواتها». ومن هنا نرى لأصحاب كتب مجموعتنا هذه روايات كثيرة عن الإمام المعصوم مباشرة، ولا وجود لها في هذا الكتاب ؛ وهذا يثبت وجود كتب اُخرى لهم غير هذا الكتاب.
وهذه التلخيصات لم تكن منحصرة بكتب الرواية، بل أصحاب الأئمّة عليهمالسلام أنفسهم لم يرووا جميع ما كانوا يسمعونه من الإمام، بل كانوا يلخّصونه ويحصرونه بالمهمّ منه ـ من جهتهم ـ وبنتائجه ؛ ولذا كانت الروايات المختلفة للحديث الواحد تجيء مختلفة من حيث التفصيل والتلخيص ؛ كما في الحديث (۳۲) من كتاب عاصم من مجموعتنا هذه، التي يصحّ لكلّ منها إطلاق أنّها من أصله أو من كتابه.
ولولا وجود هذه النسخة من الاُصول، والمقارنة بين أحاديث أصحابها والأحاديث التي وردت عنهم في الكتب الاُخرى، وبينها وبين الأحاديث المتّحدة معها أو المشابهة لها التي وردت في كتب الأخبار عن الرواة الآخرين، والمتاعب التي تحمّلناها في سبيل تحقيقها، لَما كان لنا حلّ كثير من هذه الإبهامات.