13
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

وكانت متعددة غالبا، وفي أحيان كثيرة كان التلاميذ ينتقون بعضا منها ليدرجوه في دفاترهم ثمّ ينقلون هذا المنتخب إلى الآخرين من تلامذتهم، سواء بصورة مستقلّة وباسم الراوي المأخوذ منه أو بصورة غير مستقلّة ؛ وذلك بتفريق أحاديثه في الأصل أو التصنيف الذي ينسب إليه ؛ كأخبار ابن أبي عمير أو كتاب جعفر بن شريح، كما في هذه المجموعة. والإشارة إلى الأصل المأخوذ منه كانت بواسطة ذكر اسم صاحبه في صدر السند. وبهذا الشكل تغيّرت وانمحت الصورة الاُولى لعمدة تلك الاُصول.

وهذا هو السرّ في صغر حجم هذه الاُصول في هذه المجموعة. ولكن مع ذلك يوجد هناك بعض الاُصول الأوّلية في الرواية للرواة الأوّلين عن الأئمّة عليهم‏السلام حافظت على قدرٍ كبير من شكلها الأوّلي وروايتها الاُولى ؛ حيث إنّ جميع أخبارها جاءت برواية واحدة عن الإمام المعصوم عليه‏السلام ؛ كالجعفريات، ومسائل عليّ بن جعفر، وأصل زيد الزرّاد ـ في هذا الكتاب ـ، وربّما صحيفة الرضا عليه‏السلام، وتوحيد المفضّل، وغيرها.

ونأمل من خلال هذا التحليل أن نكون قد وُفّقنا لعرض صورة صحيحة عن آثار المتقدّمين في الرواية.

وكان من التقديرات الإلهيّة أن تصان هذه المجموعة القديمة من الاُصول وتبقى محفوظة من الضياع والاندراس، لتعكس للباحثين صورة واضحة عن سائر تلك الاُصول وتقييمها، ولولاها لما انطبعت في ذهن أحد صورة صحيحة وواضحة عنها، كما نلاحظه اليوم في كتب الدراية والرجال والتراجم والكتب التي تطرّقت لبيان وضع العلوم والمعارف في عصر المعصومين عليهم‏السلام والعصور المقاربة له ؛ فإنّ أغلب التحليلات حول هذه الاُصول بعيدة عن الواقع.

فالأصل كان يطلق عندهم على كلّ مجموعة روائية يقوم بجمعها راوٍ خاص، سواء كانت مشتملة على روايات متفرقة ـ كما هو الأكثر ـ أو بصورة تصنيف وتبويب للأخبار ؛ ولذا نقل عن محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رحمه‏الله في الغيبة أنّه قال: «إنّه ليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم‏السلام خلاف في أنّ كتاب


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
12

وعن الشيخ حسين بن عبد الصمد ـ والد الشيخ البهائي ـ في درايته أنّه قال: «قد كُتب من أجوبة مسائله هو [أي الإمام الصادق عليه‏السلام] فقط أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف تسمّى الاُصول، في أنواع العلوم»۱.

وعن الشهيد الثاني في شرح الدراية أنّه قال: «استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها اُصولاً، فكان عليها اعتمادهم»۲.

والذي يظهر من مجموع التتبّعات ـ واللّه‏ العالم ـ أنّ المراد من مفهومي «الكتاب» و«الأصل» معنى واحد غالبا، وقد يستعمل الكتاب في ما هو أعمّ. وأمّا قول أصحابنا المتقدّمين في فهارسهم: «له كتاب» أو «له أصل» فالمقصود أنّ صاحبه كان من الرواة عن الأئمّة، أو من أهل الفضل ومن مشايخ الرواية، وله كتاب في الرواية عن الأئمّة، وصاحب رواية ويروى عنه.۳

فالأصل: عبارة عن نسخة أو كتاب ـ ولو صغير ـ يحتوي على مجموعة من روايات بعض الرواة عن الإمام سواء مع الواسطة أو بدونها، فكان من سيرة الأذكياء من خيار الأصحاب الاهتمام بحفظ الحديث وجمعه وكتابته ودراسته ونشره، فربّما كان لبعضهم العشرات من هذه الاُصول التي تعتبر مادّة علمهم ومقدار معرفتهم.

فاُصول الرواية كانت على قسمين: قسم منها بشكل التصنيف والتنظيم بين الروايات مع مقدار من الشرح والبيان والتوضيح، وآخر بشكل جمعٍ ابتدائي غير منظّم. وفي الأعمّ الأغلب كان للقسم الأوّل اسم خاصّ، ويطلق على الثاني: «الكتاب» أو «النسخة» أو «الأصل» أو «الرواية»، ويضاف إلى اسم جامعه أو إلى راويه الأخير أيضا باعتبار روايته له، فكانت هي ـ في الحقيقة ـ دفاترَهم الشخصية في رواية الحديث، وكانوا يعرضونها على التلاميذ أو أقرانهم الراغبين في رواية تلك الأحاديث عنهم،

1.. وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار : ص۶۰.

2.. الرعاية في علم الدراية : ص۷۳.

3.. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب نهاية الدراية : ص ۵۲۲ ـ ۵۳۵ .

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3694
صفحه از 428
پرینت  ارسال به