129
الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة

نبذا، وإن لم يجدوا له أهلاً ألقوا على ألسنتهم أقفالاً غيّبوا مفاتيحها، وجعلوا على أفواههم أوْكِية. صُلْبٌ صِلابٌ أصلب من الجبال لا يُنحَت منهم شيء. خزّان العلم، ومعدن الحكم۱، وتُبّاع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. أكياس يحسبهم المنافق خرسا عُميا بُلها وما بالقوم من خَرَس ولا عمىً ولا بَلَهٍ. إنّهم لَأكياس فصحاءُ، حلماء حكماء، أتقياء بررة، صفوة اللّه‏، أسكنتهم الخشيةُ للّه‏، وأعيت۲ ألسنتَهم ؛ خوفا من اللّه‏ وكتمانا لسرّه، فواشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم! يا كرباه لفقدهم! ويا كشف كرباه لمجالستهم!
اطلبوهم، فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم، وفزتم بهم في الدنيا والآخرة.
هم أعزّ في الناس من الكبريت الأحمر. حِلْيتهم۳ طول السكوت بكتمان السرّ، والصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر، فذلك حليتهم ومحنتهم۴، يا طوبى لهم وحسن مآب!
هم وارثوا الفردوس خالدين فيها، ومثَلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان. وهم المطلوبون في النار، المحبورون في الجنان، فذلك قول أهل النار: «مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ»۵ ؛ فهم أشرار الخلق عندهم، فيرفع اللّه‏ منازلهم حتّى يرونهم۶، فيكون ذلك حسرة لهم في النار، فيقولون: «يَلَيْتَنَا نُرَدُّ»۷

1.. في «م» : «معدن الحلم والحكم».

2.. في «ح» : «أعيتهم».

3.. في «س» و «ه» : «حَلْيهم».

4.. في «م» : «محبّتهم».

5.. ص۳۸ : ۶۲.

6.. كذا . والأولى بحذف النون .

7.. الأنعام ۶: ۲۷.


الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
128

شيء كان على عنقه، ولا أيّ شيء سقط منها ؛ لهوانها عليهم، فهم الخفيُّ عيشُهم، المنتقلة ديارُهم من أرض إلى أرض، الخميصة بطونُهم من الصيام، الذابلة۱ شفاهُهم من التسبيح، العُمْش العيون من البكاء، الصُفْر الوجوه من السهر، فذلك سيماهم مثلاً ضربه اللّه‏۲ في الإنجيل لهم ؛ وفي التوراة والفرقان والزبور والصحف الأُولى، وَصَفهم، فقال: «سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَ لِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَلةِ وَ مَثَلُهُمْ فِى الاْءِنجِيلِ»۳ عنى بذلك صُفْرة وجوههم من سهر الليل.
هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر۴، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم اللّه‏، فقال: «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِى فَأُوْلَلءِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»۵ فازوا ـ و اللّه‏ ـ وأفلحوا، إن رأوا مؤمنا أكرموه، وإن رأوا منافقا هجروه.
إذا جنّهم الليل اتّخذوا أرض اللّه‏ فراشا، والتراب وسادا، واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرّعون إلى ربّهم في فكاك رقابهم من النار، فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يُشَر إليهم بالأصابع. تنكّبوا الطرق، واتّخذوا الماء طيبا وطهورا. أنفسهم متعوبة، وأبدانهم مكدودة۶، والناس منهم في راحة.
فهم عند الناس شرار الخلق، وعند اللّه‏ خيار الخلق ؛ إن حدّثوا لم يُصدَّقوا، وإن خطبوا لم يُزوَّجوا، وإن شهدوا لم يُعرفوا، وإن غابوا لم يُفقَدوا۷. قلوبهم خائفة وَجِلة من اللّه‏، ألسنتهم مسجونة۸، وصدورهم وعاء لسرّ اللّه‏ ؛ إن وجدوا له أهلاً نبذوه إليه

1.. في «ح» : «الذّبلة» .

2.. في «س» و «ه» : «ضربه اللّه‏ مثلاً» .

3.. الفتح ۴۸ : ۲۹ .

4.. في «س» و «ه» : «العسر واليسر».

5.. الحشر : ۹.

6.. في «م» : «مكدورة».

7.. كذا. والمناسب للمقام هو : «لم يُفْتَقَدوا» أو «لم يُتَفَقَّدوا» .

8.. في «ح» : «مشحونة». واحتمال مشجونة ليس ببعيد.

  • نام منبع :
    الأصول الستة عشر من الأصول الأولیة
    سایر پدیدآورندگان :
    ضیاء الدین محمودى
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3767
صفحه از 428
پرینت  ارسال به