نبذا، وإن لم يجدوا له أهلاً ألقوا على ألسنتهم أقفالاً غيّبوا مفاتيحها، وجعلوا على أفواههم أوْكِية. صُلْبٌ صِلابٌ أصلب من الجبال لا يُنحَت منهم شيء. خزّان العلم، ومعدن الحكم۱، وتُبّاع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. أكياس يحسبهم المنافق خرسا عُميا بُلها وما بالقوم من خَرَس ولا عمىً ولا بَلَهٍ. إنّهم لَأكياس فصحاءُ، حلماء حكماء، أتقياء بررة، صفوة اللّه، أسكنتهم الخشيةُ للّه، وأعيت۲ ألسنتَهم ؛ خوفا من اللّه وكتمانا لسرّه، فواشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم! يا كرباه لفقدهم! ويا كشف كرباه لمجالستهم!
اطلبوهم، فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم، وفزتم بهم في الدنيا والآخرة.
هم أعزّ في الناس من الكبريت الأحمر. حِلْيتهم۳ طول السكوت بكتمان السرّ، والصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر، فذلك حليتهم ومحنتهم۴، يا طوبى لهم وحسن مآب!
هم وارثوا الفردوس خالدين فيها، ومثَلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان. وهم المطلوبون في النار، المحبورون في الجنان، فذلك قول أهل النار: «مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ»۵ ؛ فهم أشرار الخلق عندهم، فيرفع اللّه منازلهم حتّى يرونهم۶، فيكون ذلك حسرة لهم في النار، فيقولون: «يَلَيْتَنَا نُرَدُّ»۷