53
مكاتيب الأئمّة ج3

الفصل الرّابع : في مكاتيبه عليه السلام مجهولة التّاريخ

۱۴

كتابُه عليه السلام في القضاء والقدر

جاء في الحديث أنَّ الحسن بن أبي الحسن البصريّ ۱ كتَب إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام :
من الحسن البصريّ إلى الحسن ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكُم معاشِرَ بني هاشِمٍ ، الفُلْكُ الجاريَةٌ في الّلُجج الغامِرَةِ ، ومصابيحُ الدُّجى ، وأعلامُ الهُدى ، وَالأئمَّةُ القادَةُ ، الَّذين مَن اتَّبعَهُم نَجا ، وَالسَّفينَةُ الَّتي يَؤولُ إليها المُؤمِنونَ ، وَيَنجو فيها المُتمسِّكونَ ، قَد كَثُر ـ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ـ عِندَنا الكلامُ فِي القَدَرِ ، واختلافُنا في الاستطاعَةِ ، فَتُعلِمُنا ما نَرى عَلَيهِ رَأَيكَ وَرَأيَ آبائِكَ ، فَإنَّكم ذُرِّيَّةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، مِن عِلمِ اللّه ِ عُلِّمتُم ، وَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ،
وَأنتُم شُهداءُ عَلى النَّاسِ ، والسَّلامُ .
فأجابه الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما :
مِنَ الحَسَنِ بن عَليٍّ إلى الحَسنِ البَصريّ :
أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَد انتهى إليَّ كتابُكَ عِندَ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن زَعَمتَ مِن أُمَّتِنا ، وَكَيفَ تَرجِعونَ إليْنا ، وَأنتُم بِالقَولِ دُونَ العَمَلِ .
وَاعلَم ، أنَّهُ لَولا ما تَناهى إليَّ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ الأُمَّةِ قِبَلَكَ لَأَمسَكتُ عَن الجَوابِ ، وَلكنّي النَّاصِحُ وابنُ النَّاصِحِ الأمينِ .
والَّذي أنا عَلَيهِ أنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، فَقَد كَفَرَ ، وَمَن حَمَلَ المَعاصي عَلى اللّه ِ عز و جل فَقَد فَجَرَ .
إنَّ اللّه َ لا يُطاعُ بإكراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبةٍ ، ۲ وَلكنَّهُ عز و جل المالِكُ لِما مَلّكَهُم ، والقادِرُ عَلى ما عَليهِ أَقدَرَهُم ، فَإنِ ائْتَمروا بالطَّاعَةِ لَم يَكُن اللّه ُ عز و جل لَهُم صَادَّاً ، وَلا عَنها مانِعاً ، وإنْ ائْتَمروا بالمَعصِيَةِ فَشَاء سُبحانَهُ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم فَيحولَ بَينَهُم وَبَينها فَعَلَ ، وإنْ لَم يَفعل فَلَيسَ هُو الذي حَمَلَهُم عَلَيها إجْباراً ، وَلا ألزمَهُم بِها إكْراهاً ، بَل احتِجاجُهُ ـ جَلَّ ذِكرُهُ ـ عَلَيهِم أَن عَرَّفَهُم ، وَجَعَل لَهُمُ السَّبيلَ إلى فِعلِ ما دَعاهم إِليهِ ، وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَللّه ِِ الحُجَّة البالِغَةُ ، والسَّلامُ . ۳
ونصُّ الكتاب على رواية تحف العقول :
كتَب الحسنُ بن أبي الحسن البصريّ ، إلى أبي محمدٍ الحسن بن عليّ عليهماالسلام :
أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكم مَعْشَرَ بَني هاشِمٍ الفُلْكُ الجارِيَةُ فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، وَالأعلامُ
النّيّرةُ الشَّاهِرَةُ ، أو كَسَفِينة نوحٍ عليه السلام ، الَّتي نزَلَها المؤمِنونَ ، وَنَجا فيها المُسلِمونَ .
كتَبْتُ إليكَ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ عِنْدَ اختلافِنا فِي القَدَرِ وَحَيْرَتِنا فِي الاستِطاعَةِ ، فَأخْبِرْنا بالَّذي عَلَيهِ رَأيُكَ وَرَأيُ آبائِكَ عليهم السلام ، فَإنَّ مِن عِلمِ اللّه ِ عِلْمَكُم ، وَأنتُم شُهدَاءُ على النَّاسِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ، ذُرِّيَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَميعٌ عليمٌ .
فأجابَه الحسن عليه السلام :
بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم
وَصَل إليَّ كتابُك ، وَلَوْلا ما ذَكَرْتَهُ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن مَضَى قَبلَكَ إذاً ما أخْبَرتُكَ ، أمَّا بَعْدُ : فَمَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ أنَّ اللّه َ يَعْلَمُهُ فَقَد كَفَر ، وَمَن أحالَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَقَد فَجَر ، إنَّ اللّه لَم يُطَعْ مُكرِهاً ، ولم يُعْصَ مَغلوباً ، وَلَم يُهْمِلِ العبادَ سُدىً مِنَ المَمْلَكَةِ ، بل هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ على ما عَليهِ أقدَرَهُم ، بل أمَرَهُم تَخْييراً ، ونَهاهُم تَحذيراً ، فَإنِ ائْتَمَروا بالطَّاعَةِ لَم يَجِدوا عَنها صَادّاً ، وَإنِ انْتَهوا إلى مَعصِيَةٍ فَشاءَ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم بأنْ يحُولَ بَينَهم وَبَينَها فَعَلَ ، وَإنْ لَم يفعَل فَلَيسَ هُوَ الَّذي حَمَلَهُم عَلَيها جَبْراً ، ولا أُلزِمُوها كُرهاً ، بل مَنَّ عَلَيهِم بأنْ بصَّرَهم وَعَرَّفَهُم وَحَذَّرَهم وأمرَهُم ونَهاهُم ، لا جَبْلاً لهم عَلى ما أمَرَهم بهِ فَيكونُوا كالمَلائِكَةِ ، وَلا جَبْراً لَهُم عَلى ما نَهاهُم عَنهُ ، وَ لِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، فَلَو شاءَ لَهداكم أجمَعينَ ، والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . ۴

ونصُّ الكتاب على رواية العدد القويّة :
كتب الحسن البصريّ إلى الحسن بن علي عليهماالسلام :
أمَّا بَعدُ ؛ فَأنتُم أهلُ بَيتِ النُّبوَّةِ ، ومَعدِنُ الحِكمَةِ ، وَأنَّ اللّه َ جَعَلَكُم الفُلْكَ الجارِيَةَ
فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، يلجأ إليكُمُ اللاّجئُ ، وَيعتَصِمُ بِحبْلِكُم القالي ، مَنِ اقْتدى بِكُم اهتَدى ونَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنكُم هَلَكَ وَغَوى ، وأنِّي كتبتُ إليكَ عِندَ الحَيرَةِ واختلافِ الأُمَّةِ في القَدَرِ ، فَتُفضي إِلَينا ما أفضاهُ اللّه ُ إلَيكُم أهلَ البَيتِ ، فَنأخُذُ بِهِ .
فكتب إليه الحسن بن علي عليهماالسلام :
أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّا أهلُ بَيتٍ كما ذَكَرتَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ أَوليائِهِ ، فَأَمّا عِندَكَ وَعِندَ أصحابِكَ ، فَلَو كُنَّا كَما ذَكَرتَ ما تَقَدَّمتمونا ، وَلا استَبدَلتُم بِنا غَيرَنا ، وَلَعَمري لَقَد ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلَكُم في كِتابِهِ ، حَيثُ يقول : «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ » ۵ ، هذا لِأولِيائِكَ فيما سَأَلوا ، وَلَكُم فيما استَبدَلتُم ، وَلَولا ما أُريدُ مِنَ الاحتجاجِ عَلَيكَ وَعَلى أصحابِكَ ما كَتبتُ إِلَيكَ بِشَيءٍ مِمَّا نَحنُ عَلَيهِ .
وَلَئِن وَصَلَ كِتابي إِلَيكَ لَتَجِدَنَّ الحُجَّةَ عَلَيكَ وَعَلى أَصحابِكَ مُؤكَّدَةُ ، حَيثُ يَقولُ اللّه ُ عز و جل : «أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » ۶ .
فاتَّبِع ما كَتَبتُ إِلَيكَ فِي القَدَرِ ، فَإنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَقَد كَفَر ، وَمَن حَمَلَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَجَرَ ، إنَّ اللّه عز و جل لا يُطلع (يطع) ۷ بإكراه ، ولا يُعصى بغلبة ، ولا يُهْمِلُ العِبادَ مِنَ المَلَكَةِ ، ولكنَّه المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم .
فإنْ ائتمروا بالطَّاعَةِ يَكُن عَنها صادَّاً مُثبِّطاً ، وَإنِ ائْتَمَروا بالمَعصِيَةِ ، فَشَاءَ أنْ يَحولَ بَينَهُم وَبَينَ ما ائْتَمَروا بهِ فَعَلَ ، وَإنْ لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ حَمَلَهُم عَلَيها ، وَلا كَلَّفَهم إيَّاها جَبْراً ، بل تَمكينُهُ إيَّاهُم وإعْذارُهُ إِلَيهِم طَرَّقَهُم وَمَكَّنَهُم ، فَجَعَل لهم السّبيلَ إلى أخذِ ما أمَرَهُم بهِ وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَوَضْع التَّكليفَ عَن أهلِ النُّقصانِ وَالزَّمانَةِ ، والسَّلامُ . ۸ في مكاتيبه مجهولة التّاريخ

1. هو الحسن بن يسار مولى زيد بن ثابت أخو سعيد وعمارة ، المعروف بالحسن البصريّ ، وهو من رؤساء القدريّة ، والمنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وقعد في منزله ولم ينصر الإمام عليه السلام ، وكان من تلامذته ابن أبي العوجاء ، مات سنة۱۱۰ ه وله تسع وثمانون سنة .

2. وفي نسخة : زاد «و لم يهمل العباد سُدى من المملكة» .

3. كنز الفوائد : ج ۱ ص ۳۶۵.

4. تحف العقول : ص ۲۳۱ ، إرشاد القلوب : ص ۱۹۸ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۵ ص ۴۰ ح ۶۳ وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرّضا عليه السلام : ص ۴۰۸ ، جمهرة رسائل العرب : ج ۲ ص ۲۷.

5. البقرة : ۶۱ .

6. يونس : ۳۵ .

7. هكذا في المصدر ، والصواب : «لا يُطاعُ» كما في نصوص المصادر الأُخرى .

8. العدد القوية : ص ۳۳ ح ۲۵ ، تحف العقول : ص ۲۳۱ ، بحار الأنوار : ج ۱۰ ص ۱۳۷ ح ۳.


مكاتيب الأئمّة ج3
52

فلمَّا أتاه الكتاب ، وذلك بعد ادَّعاء معاوية إيَّاه غَضِبَ حَيثُ لَم يَنسبهُ إلى أبي سُفْيان ، فكتب إليه :
من زيادِ بن أبي سُفْيان إلى الحَسَن :
أمَّا بعدُ ؛ فإنَّه أتاني كتابُكَ في فاسِقٍ تُؤويهِ الفُسَّاقُ مِن شيعَتِكَ وَشيعَةِ أَبيكَ ، وَايمُ اللّه ِ لأَطلُبنَّهُ بَينَ جِلدِكَ وَلَحمِكَ ، وَإنَّ أحَبَّ النَّاسِ إليَّ لَحماً أنْ آكُلَهُ لَلَحْمٌ أنت منه ، والسَّلام .
فلمَّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب ، بعث به إلى معاوية ، فلمَّا قرأه غضب وكتب :
من معاوية بن أبي سُفْيان إلى زياد :
أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ لكَ رأيين : رأياً من أبي سُفْيان ، وَرَأياً من سُمَيَّة ، فأمَّا رأيك من أبي سُفْيان فحِلْمٌ وحَزم ، وأمَّا رأيك من سُمَيَّة فَما يكونُ من مثلِها .
إنَّ الحسن بن عليّ عليه السلام كتب إليَّ بأنَّك عَرضتَ لِصاحبِهِ ، فَلا تَعرِض لَهُ ، فَإنِّي لَم أجعَل لَكَ عَلَيهِ سَبيلاً ، وَإنَّ الحَسَنَ لَيس مِمَّن يُرمَى بهِ الرَّجَوان ، والعَجَبُ مِن كتابِكَ إليهِ ، لا تنَسِبُهُ إلى أبيهِ أو إلى أمِّهِ ، فالآنَ حِينَ اختَرتَ لَهُ ، والسَّلامُ . ۱

1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۱۸ وراجع : العقد الفريد : ج ۵ ص ۱۱ والبيان والتّبيين : ج ۲ ص ۲۹۸ ؛ الإيضاح : ص ۵۴۸ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۲۲ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۹۲ ح ۷ ، أعيان الشّيعة : ج ۱ ص ۵۷۳.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    علی احمدی میانجی، تحقیق: مجتبی فرجی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17716
صفحه از 340
پرینت  ارسال به