۸
كتابُه عليه السلام إلى معاوية
في تخويله الأمر إليه
دسَّ معاوية إلى عمرو بن حريث ، والأشعث بن قيس ، وإلى حجر بن الحجر ، وشبث بن ربعيّ دسيساً ، أفرد كلَّ واحد منهم بعين من عيونه ، أنَّك إنْ قتلتَ الحسن بن عليّ فلَك مائتا ألف درهم ، وجُنْدٌ من أجناد الشَّام ، وبنْتٌ من بناتي .
فبلَغ الحسن عليه السلام ذلك ، فاستلأم ولبس دِرْعاً وكفَّرها ۱ ، وكان يحترز ولا يتقدَّم للصَّلاة بهم إلاَّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصَّلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللاَّمة .
فلمَّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم ، فعمل فيه الخنجر ، فأمر عليه السلام أنْ يُعدَل به إلى بطن جريحى ، وعليها عمُّ المختار بن أبي عبيد مسعود بن
قيلة ، فقال المختار لعمِّه : تعال حتَّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق ، فبدر بذلك الشِّيعة من قول المختار لعمِّه ، فهمّوا بقتل المختار ، فتلطّف عمُّه لمساءلة الشِّيعة بالعفو عن المختار ، ففعلوا ، فقال الحسن عليه السلام :
وَيلَكُم ، وَاللّه ِ ، إنَّ مُعاوِيَةَ لا يفي لِأَحدٍ مِنكُم بِما ضَمِنَهُ في قتلي ، وَإنِّي أَظُنُّ أ نّي إن وَضَعتُ يَدي في يَدِهِ فَاُسالِمُهُ لَم يَترُكني أَدينُ لِدينِ جَدي صلى الله عليه و آله ، وَإنِّي أَقدِرُ أن أعبُدَ اللّه َ وَحدي ، وَلكِنّي كَأنِّي أَنظُرُ إلى أبنائِكُم واقِفينَ عَلى أَبوابِ أبنائِهِم يَستسقونَهُم ويَستَطعِمونَهُم بِما جَعَلَهُ اللّه ُ لَهُم فَلا يُسقَونَ وَلا يُطعَمونَ ، فَبُعداً وَسُحْقاً لِما كَسَبَتهُ أَيديكُم! «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » ۲ .
فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه .
فكتب الحسن عليه السلام من فوره ذلك إلى معاوية :
أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ خطبي انْتهى إلى اليَأسِ مِن حَقٍّ أُحييهِ ، وَباطِلٍ اُميتُهُ ، وخَطبُكَ خَطبُ مَن انتهى إلى مُرادِهِ ، وَإنَّني أعتَزِلُ هذا الأَمرَ وَاُخلّيهِ لَكَ ، وَإن كانَ تَخلِيَتي إيَّاهُ شَرَّاً لَكَ في مَعادِكَ .
وَلِي شُروطٌ أَشرُطُها لا تَبهُظَنَّكَ إن وَفَيتَ لي بِها بِعَهدٍ ، وَلا تَخِفُّ إنْ غَدَرتَ .
ـ وكتب الشَّرط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء وترك الغدر ـ وسَتندَمُ يا مُعاوِيَةُ كما نَدِمَ غَيرُكَ مِمَّن نَهضَ في الباطِلِ أو قَعَدَ عَنِ الحَقِّ ، حِينَ لَم يَنفَعِ النَّدَمُ ، وَالسَّلام . ۳