35
مكاتيب الأئمّة ج3

۸

كتابُه عليه السلام إلى معاوية

في تخويله الأمر إليه

دسَّ معاوية إلى عمرو بن حريث ، والأشعث بن قيس ، وإلى حجر بن الحجر ، وشبث بن ربعيّ دسيساً ، أفرد كلَّ واحد منهم بعين من عيونه ، أنَّك إنْ قتلتَ الحسن بن عليّ فلَك مائتا ألف درهم ، وجُنْدٌ من أجناد الشَّام ، وبنْتٌ من بناتي .
فبلَغ الحسن عليه السلام ذلك ، فاستلأم ولبس دِرْعاً وكفَّرها ۱ ، وكان يحترز ولا يتقدَّم للصَّلاة بهم إلاَّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصَّلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللاَّمة .
فلمَّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم ، فعمل فيه الخنجر ، فأمر عليه السلام أنْ يُعدَل به إلى بطن جريحى ، وعليها عمُّ المختار بن أبي عبيد مسعود بن
قيلة ، فقال المختار لعمِّه : تعال حتَّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق ، فبدر بذلك الشِّيعة من قول المختار لعمِّه ، فهمّوا بقتل المختار ، فتلطّف عمُّه لمساءلة الشِّيعة بالعفو عن المختار ، ففعلوا ، فقال الحسن عليه السلام :
وَيلَكُم ، وَاللّه ِ ، إنَّ مُعاوِيَةَ لا يفي لِأَحدٍ مِنكُم بِما ضَمِنَهُ في قتلي ، وَإنِّي أَظُنُّ أ نّي إن وَضَعتُ يَدي في يَدِهِ فَاُسالِمُهُ لَم يَترُكني أَدينُ لِدينِ جَدي صلى الله عليه و آله ، وَإنِّي أَقدِرُ أن أعبُدَ اللّه َ وَحدي ، وَلكِنّي كَأنِّي أَنظُرُ إلى أبنائِكُم واقِفينَ عَلى أَبوابِ أبنائِهِم يَستسقونَهُم ويَستَطعِمونَهُم بِما جَعَلَهُ اللّه ُ لَهُم فَلا يُسقَونَ وَلا يُطعَمونَ ، فَبُعداً وَسُحْقاً لِما كَسَبَتهُ أَيديكُم! «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » ۲ .
فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه .
فكتب الحسن عليه السلام من فوره ذلك إلى معاوية :
أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ خطبي انْتهى إلى اليَأسِ مِن حَقٍّ أُحييهِ ، وَباطِلٍ اُميتُهُ ، وخَطبُكَ خَطبُ مَن انتهى إلى مُرادِهِ ، وَإنَّني أعتَزِلُ هذا الأَمرَ وَاُخلّيهِ لَكَ ، وَإن كانَ تَخلِيَتي إيَّاهُ شَرَّاً لَكَ في مَعادِكَ .
وَلِي شُروطٌ أَشرُطُها لا تَبهُظَنَّكَ إن وَفَيتَ لي بِها بِعَهدٍ ، وَلا تَخِفُّ إنْ غَدَرتَ .
ـ وكتب الشَّرط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء وترك الغدر ـ وسَتندَمُ يا مُعاوِيَةُ كما نَدِمَ غَيرُكَ مِمَّن نَهضَ في الباطِلِ أو قَعَدَ عَنِ الحَقِّ ، حِينَ لَم يَنفَعِ النَّدَمُ ، وَالسَّلام . ۳

1. كلُّ من ستر شيئا ، فقد كفَرَهُ وكفَّره (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۱۴۶) .

2. الشّعراء : ۲۲۷ .

3. علل الشّرائع : ص ۲۲۰ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۳ وراجع : الإرشاد : ج ۲ ص ۱۲ ، كشف الغمّة : ج ۱ ص ۱۶۶ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۴۱.


مكاتيب الأئمّة ج3
34

۷

كتابُه عليه السلام لأصحابه

جواباً على تعزيتهم له في ابنةٍ

۰.أخبرنا محمَّدبن محمَّد ، قال : أخبرنا الشّريف أبو عبداللّه محمَّد بن محمَّد بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو العبَّاس أحمد بن محمَّد بن سعيد ، قال : حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفيّ ، قال : حدَّثنا الحسين بن محمَّد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن عاصم بن عمر الجعفيّ ، عن محمَّد بن مسلم العبديّ ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول :كتب إلى الحسن بن عليّ عليه السلام قوم من أصحابه يُعَزُّونه عن ابنةٍ لَهُ . فكتب إليهم :
أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني كِتابُكُم تُعَزُّوني بِفُلانَةَ ، فَعِندَ اللّه ِ أحتَسِبُها تَسليماً لِقَضائِهِ ، وَصَبراً عَلى بَلائِهِ ، فَإن أوجَعَتنا المَصائِبُ ، وَفَجَعَتنا النَّوائِبُ بالأَحِبَّةِ المَألوفَةِ الَّتي كانَت بِنا حَفِيَّةً ۱ ، والإخوانِ المحبين ۲ الَّذين كانَ يُسَرُّ بِهِمُ النَّاظِرونَ ، وتَقَرُّ بِهِمُ العُيونُ ، أَضحَوا قَد اختَرمَتهُمُ الأَيَّامُ ، وَنَزَلَ بِهِمُ الحِمامُ ، فَخَلَّفوا الخُلوفَ ۳ ، وَأَودَت بِهِمُ الحُتُوفُ ۴ ، فَهُم صَرعى في عَساكِرِ المَوتى ، مُتجاوِرونَ في غَيرِ مَحِلِّةٍ التَّجاوُرِ ، وَلا صِلاتٍ بَينَهُم وَلا تَزاوُرَ ، ولا يَتلاقَونَ عَن قُربِ جِوارِهِم ، أَجسامُهُم نائِيَةٌ مِن أَهلِها ، خالِيَةٌ مِن أربابِها ، قد أَخشَعَها إخوانُها ۵ ، فَلَم أرَ مِثلَ دارِها داراً ، وَلا مِثلَ قَرارِها قَراراً ، في بُيوتٍ مُوحِشَةٍ ، وحُلولٍ مُخضعَةٍ ، قَد صارَت في تِلكَ الدِّيارِ المُوحِشَةِ ، وَخَرَجَت عَنِ الدَّارِ المُؤنِسَةِ ، فَفارَقَتها مِن غَيرِ قِلىً ۶ ، فاستَودَعَتها البَلاءَ ! وَكانَت أمَةً مَملوكَةً ، سَلَكَت سَبيلاً مَسلوكَةً ، صارَ إليها الأَوَّلونَ ، وَسَيَصيرُ إليها الآخِرونَ ، وَالسَّلامُ . ۷

1. الحفيّ : البَرّ اللطيف .

2. في المصدر : «المحبُّون» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .

3. خلوف: جمع خلف، أي عوض، يقال: خلَفَ اللّه لك خلفا بخير، وأخلف عليك خيرا (النهاية: ج ۲ ص ۶۶) .

4. الحتوف : جمع الحتف بمعنى الموت .

5. أحزانها .

6. القِلى : البغض والهجران .

7. الأمالي للطوسي : ص ۲۰۲ ح ۳۴۵ ، بحار الأنوار : ج ۴۳ ص ۳۳۶ ح ۶ وج۸۲ ص ۱۰۹ ح ۵۴.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    علی احمدی میانجی، تحقیق: مجتبی فرجی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17789
صفحه از 340
پرینت  ارسال به