۱۱
كتابه عليه السلام إلى درجان
في إحضار الميت
عن أبي عيينة ۱ : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه ، فقال : أنا رجلٌ
من أهل الشَّام لم أزل ـ واللّه ـ أتولاَّكم أهلَ البيت ، وأتبرَّأ من أعدائكم ، وإنَّ أبي لا رحمهُ اللّه ُ ! كان يتولَّى بني أمَيَّةَ ويُفَضِّلُهُم عَلَيكُم ، فكنت أبغضه على ذلك ، وكان يُبغضني على حبِّكم ، ويحرمني ماله ، ويجفوني في حياته و مماته ، وقد كان له مالٌ كثير ، ولم يكن له ولَد غيري ، وكان مسكنه بالرملة ، وكانت له حبيبة يخلو فيها لفسقه ، فلمَّا مات طلبتُ ماله في كلّ موضع فلم أظفر به ، ولست أشكّ أنّه دفنه في موضع وأخفاه منِّي لا رضي اللّه عنه .
فقال له أبو جعفر عليه السلام أفَتُحِبُّ أنْ تَراهُ وتَسأَلَهُ أينَ وَضَعَ مالَهُ؟
فقال له الرَّجل : نعم ، وإنِّي مُحتاجٌ فَقيرٌ .
فكتب له أبو جعفر كتاباً بيده في رِقٍّ أبيض ، ثمّ ختمه بخاتمه ، ثمّ قال : اذهَبْ بِهذا الكتابِ اللّيلَةَ البقيعَ حَتَّى تَوسَّطَ ثُمّ تُنادي : يا دُرْجانُ ، فإنَّه سَيأتِيكَ رَجُلٌ مُغتَمٌّ ، فادفَع إليهِ كِتابي وقُلْ لَهُ : أنا رَسولُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، فسألْهُ عمّا بَدا لَكَ .
قال : فأخذ الرَّجل الكتاب وانطلق ، فلمّا كان من الغد أتيتُ أبا جعفر معتمداً لأنظرَ ما حالُ الرَّجل ؛ فإذا هو على باب أبي جعفر عليه السلام ينتظر متى يؤذَنَ له ، فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، فقال له الرَّجل :
اللّه ُ أعلَمُ عِندَ مَنْ يَضَعُ عِلمَهُ ! فَقَدِ انطَلَقتُ بِكتابِكَ اللَّيلَةَ حَتَّى تَوسَّطتُ البَقيعَ ، فناديتُ دُرجاناً ، فَأتى رَجُلٌ مُغتَمٌّ .
فقالَ : أنا دُرجانُ ، فما حاجَتُكَ؟
فقلتُ : أنا رَسولُ مُحَمّدِ بنِ عَلِيٍّ إلَيكَ ، وَهذا كِتابُهُ .
فَقالَ : مَرحَباً بِرَسولِ حُجَّةِ اللّه ِ عَلى خَلقِهِ ، فأخَذَ كتابَهُ فَقَرَأهُ فقالَ : أتُحِبُّ أنْ تَرَى أباكَ؟
فَقُلتُ : نَعَم .
قال : فلا تبرَح مِن موضِعِكَ حَتّى آتيكَ بهِ ؛ فإنَّه بِضَجْنانَ .
فانطلَقَ فَلَم يَلبَث إلاَّ قليلاً حَتَّى أتاني بِرَجُلٍ أسوَدَ ، في عُنُقِهِ حَبلٌ أسوَدُ ، مُدلِعٌ لِسانَهُ يَلهَثُ ، وعلَيهِ سِربالٌ أسوَدُ ، فقالَ لي : هذا أبوكَ ، ولكِنْ غَيَّرَهُ اللَّهَبُ ، ودُخانُ الجَحيمِ ، وَجُرَعُ الحَميمِ ، والعذابُ الأليمُ ، فَقُلتُ لَهُ : أنتَ أبي؟
فقالَ : نَعَم .
قلتُ : مَن غيَّرَكَ وغَيَّرَ صورَتَكَ؟
قال : إنِّي كُنتُ أتولَّى بَني أُميَّةَ ، واُفضِّلُهُم على أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَعَذَّبني اللّه ُ على ذلِكَ ، وإنَّكَ كُنتَ تَتولَّى أهلَ بَيتِ نبيِّكَ ، وَكُنتُ أُبغِضُكَ على ذلِكَ فأحرِمُكَ مالي ، وَدَفَنتُهُ عَنكَ ، فأنا اليومَ على ذلِكَ مِنَ النَّادِمينَ ، فانطَلِقِ إلى حَديقَتي ، فاحتَفِر تَحتَ الزّيتونَةِ ، فَخُذِ المالَ وَهُو مائةٌ وخمسونَ ألفاً ، فادفَع إلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ خَمسينَ ألفاً وَلكَ الباقي .
قال : فإنِّي مُنطَلِقٌ حَتّى آتي بالمالِ .
قال أبو عُيَينَةَ : فلَمّا كان الحولُ قلتُ لأبي جَعفَر عليه السلام : ما فَعَل الرَّجُلُ؟
قال : قَد جاءَنا بِخَمسينَ ألفاً قضيتُ بِها دَيناً كانَ عَلَيَّ ، وابتَعتُ بِها أرضاً ، ووصلتُ مِنها أهلَ الحاجَةِ مِن أهلِ بَيتي .
أما إنَّ ذلِكَ سَيَنفَعُ المَيِّتَ النَّادِمَ على ما فَرَّطَ مِن حُبِّنا أهلَ البيتِ ، وَضَيَّعَ من حَقِّنا بما أدخَلَ عَلَيَّ مِنَ الرِّفقِ والسُّرورِ . ۲
1. أبو عيينة
عدّه الشّيخ الطوسي من أصحاب الباقر عليه السلام (رجال الطوسي : ص ۱۵۰ الرقم ۱۶۷۴) .
وفي معجم رجال الحديث : وروى عنه داود بن الحصين . الكافي : الجزء ۴ ، باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب ۸۵ ، الحديث ۶ . وروى عن زرارة ، وروى عنه صفوان ، الجزء ۶ ، باب الظهار ۷۳ ، الحديث ۲۵ وروى عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وروى عنه جعفر بن بشير . التهذيب : الجزء ۱ ، باب تطهير المياه من النجاسات ، الحديث ۶۷۳ ، والاستبصار : الجزء ۱ ، باب البئر يقع فيها ما يغير أحد أوصاف الماء ، الحديث ۸۳ . أقول : لا يبعد اتّحاده مع من بعده . (ج ۲۱ ص ۲۶۸ الرقم ۱۴۶۵۲) .
وفي الرقم ۱۴۶۵۳ : أبو عيينة : بياع القصب ، عدّه البرقي من أصحاب الصادق عليه السلام . وفي الرقم ۱۴۶۵۴ : أبو عيينة الرومي : عدّه البرقي من أصحاب الباقر عليه السلام .
2. روضة الواعظين : ج ۱ ص ۴۶۴ ح ۴۵۵ و راجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج ۴ ص ۱۹۳ ، الخرائج والجرائح : ج ۲ ص ۵۹۷ ح ۹ ، بحار الأنوار : ج ۴۶ ص ۲۶۷.