۳
كتابُه عليه السلام إلى معاوية
في تحذيره وإنظاره
۰.كتاب كتبه عليه السلام إلى معاوية ۱ بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ـ وقد بايعه النَّاس ـ وهو : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم
مِن عَبدِاللّه ِ الحَسَنِ أميرِ المؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ صَخرٍ :
أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ بعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً للعالَمينَ ، فأظهَرَ بهِ الحَقَّ ، ورَفَعَ بهِ الباطِلَ، وأذلَّ بهِ أهلَ الشِّركِ ، وأعزَّ بهِ العَرَبَ عامَّةً ، وشَرَّفَ بهِ مَن شاءَ مِنهُم خاصَّةً ، فَقالَ تعالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ » ۲ ، فلمَّا قَبضَهُ اللّه ُ تعالى تَنازَعَتِ العَرَبُ الأمرَ بَعدَهُ ، فَقالَت الأَنصارُ : مِنَّا أميرٌ ومِنكُم أمِيرٌ ؛ وقالَت قُرَيشٌ : نَحنُ أولياؤهُ وَعشيرَتُهُ ، فلا تُنازِعوا سُلطانَهُ ، فَعَرفَتِ العَرَبُ ذَلِكَ لِقُريشٍ ، ونَحنُ الآنَ أولياؤُهُ وذَووا القُربى مِنهُ . وجاحَدَتنا قُرَيشٌ ما عَرَفَت لَها العَرَبُ ، فَهَيهاتَ ! ما أَنصَفَتنا قُرَيشٌ ، وقد كانوا ذوي فَضيلَةٍ في الدِّينِ ، وسابِقَةٍ في الإسلامِ . ۳
ولا غَروَ ۴ ، أنَّ مُنازعَتَكَ إيَّانا بِغَيرِ حقٍّ في الدِّين مَعروفٍ ، ولا أثَرٍ في الإسلامِ
مَحمودٌ ، والمَوعِدُ اللّه ُ تعالى بَينَنا وبَينَكَ ، ونحن نسألُهُ تبارك وتعالَى أنْ لا يُؤتينا في هذهِ الدُّنيا شَيئاً يُنقِصُنا بهِ في الآخِرَةِ .
وبَعدُ ؛ فإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ لَمَّا نَزَلَ بهِ المَوتُ ولاَّني هذا الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فاتَّق اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ؛ وانظُر لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما تَحقِنُ بهِ دِماءهُم ، وتُصلِحُ بهِ أُمورَهُم ، والسَّلامَ . ۵
1. معاوية
في أسد الغابة : معاوية بن صَخْر بن حَرْب بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القُرَشيّ الاُمويّ ، وهو معاوية بن أبي سفيان ، وأُمّه هند بنت عُتْبَة بن ربيعة بن عبد شمس ، يجتمع أبوه وأمّه في : عبد شمس . وكنيته أبو عبد الرحمن .
أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمّه هند في الفتح ، وكان معاوية يقول : إنّه أسلم عام القَضِية .. . وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم . . .
ولمّا سيّر أبو بكر الجيوش إلى الشّام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان ، فلمّا مات يزيد استخلفه على عمله بالشّام ، وهو دمشق .
أخبرنا يحيى بن محمود وغيره بإسنادهما عن مسلم قال : أخبرنا محمّد بن مثنى ومحمّد بن بشَّار ـ واللفظ لابن مثنى ـ حدّثنا أميّة بن خالد حدّثنا شعبة ، عن أبي حَمزَة القَصّاب ، عن ابن عبّاس قال :
كنت ألعبُ مع الصبيان ، فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتواريتُ خلف باب ، قال : فجاء فَحَطأني حَطأة(الحَطأة : لا تكون إلاّ ضَرْبة بالكَفّ بين الكَتِفَيْن أو على الصّدر أو على الكَتِد . ) وقال :
اذْهَب فادْعُ لي معاوية .
قال : فجئت فقلت : هو يأكل . ثمّ قال :
اذْهَب فادْعُ لي معاوية .
قال : فجئت فقلت : هو يأكل . فقال :
لا أشْبَع اللّه َ بطْنَه .
ولم يزل والياً على ما كان أخوه يتولاه بالشّام خلافة عمر ، فلمّا استُخلف عثمان جمع له الشّام جميعه . ولم يزل كذلك إلى أن قتل عثمان ، فانفرد بالشّام ، ولم يبايع عليّاً ، وأظهر الطلب بدم عثمان ، فكان وقعةُ صفيّن بينه وبين عليّ ، وهي مشهورة . . .
ثمّ لمّا قتل عليّ واستخلِف الحسن بن عليّ ، سار معاوية إلى العراق ، وسار إليه الحسن بن عليّ ، فلمّا رأى الحسن الفتنة ، وأن الأمر عظيم تُرَاق فيه الدّماء ، ورأى اختلاف أهل العراق ، سلّم الأمر إلى معاوية ، وعاد إلى المدينة ، وتسلم معاوية العراق ، وأتى الكوفة فبايعه النّاس واجتمعوا عليه ، فَسُمِّي عام الجماعة .
فبقي خليفة عشرين سنة ، وأميراً عشرين سنة ، لأنّه ولي دمشق أربع سنين من خلافة عمر ، واثنتي عشرة سنة خلافة عثمان مع ما أضاف إليه من باقي الشّام ، وأربع سنين تقريباً أيّام خلافة عليّ ، وستّة أشهر خلافة الحسن ، وسلم إليه الحسن الخلافة سنة إحدى وأربعين ، وقيل سنة أربعين .
وتوفي معاوية في النّصف من رجب سنة ستّين ، وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، وقيل ابن ستّ وثمانين سنة ، وقيل : توفي يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع وخمسين ، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، والأصحّ في وفاته أنّها سنة ستّين . . .
ولمّا نزل به الموت ، قال : ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طُوى ، وإنّي لم أَل من هذا الأَمر شيئاً . (أُسد الغابة : ج ۵ ص ۲۰۱ الرقم۴۹۸۴ وراجع : التاريخ الكبير للبخاري : ج ۵ ص ۲۴۰ وج۷ ص ۳۲۷ ، تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۲۰۷ وج۷ ص ۵۴ ، الطبقات الكبرى : ج ۱ و۲ ، حلية الأولياء : ج ۸ ص ۳۵۸ و .. . ) .
2. الزّخرف : ۴۴ .
3. ما بين المعقوفين نقلناه من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، والفتوح.
4. لا غرو : أي لا عجب .
5. كشف الغمّة : ج ۲ ص ۱۹۶ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۵۴ ح ۶ والمناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۳۱ ، أعيان الشّيعة : ج ۱ ص ۵۶۷ ، معادن الحكمة : ج ۲ ص ۳ ، جمهرة رسائل العرب : ج ۲ ص ۱۲ ؛ مقاتل الطّالبيين : ص ۶۵ ، الفتوح لابن أعثم : ج ۴ ص ۲۸۴ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۲۴ كلّها نحوه.