۱۰
كتابُه عليه السلام إلى مسلم بن عقيل
يقوّي عزمه
دعا الحسينُ بن عليّ عليهماالسلام مسلمَ بن عقيل بن أبي طالب رضى الله عنه فسرَّحَه مع قَيْس بن مُسْهِر الصَّيداويّ ، وعمارة بن عبد السّلوليّ وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرحبيّ ، وأمرَه بتقوى اللّه وكتمانِ أمرِه واللُّطف ، فإنْ رأى النَّاس مجتمعينَ مُسْتوسقِينَ عَجَّلَ إليه بذلك .
فأقبلَ مسلم حتَّى أتى المدينة فصلَّى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وودّعَ من أحبَّ من أهله ، ثمَّ استأْجَر دليلين من قَيس ، فأقبلا به يتنكَّبان الطَّريقَ ، فضّلا وأصابَهم عطشٌ شديدٌ فعجزا عن السَّير ، فأومئا له إلى سَنَن الطَّريق بعدَ أن لاحَ لهما ذلك ، فسلكَ مسلمٌ ذلك السَّننَ ،و ماتَ الدَّليلان عطشاً .
فكتب مسلمُ بن عقيل ـ رحمه الله ـ من الموضع المعروف بالمضيق مع قَيس بن مُسْهِرٍ :
أمّا بعدُ ؛ فإنَّني أقبلتُ من المدينة مع دليلين لي فجارَا عن الطَّريق ، فضلاّ واشتدَّ علينا العطشُ فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلْنا حتَّى انتهينا إلى الماء فلم نَنْجُ إلاَّ بحُشاشة أنفسنا ، وذلك الماءُ بمكانٍ يُدعى المضيقَ من بطن الخَبْتِ ۱ ، وقد تَطيَّرتُ من وجهي هذا ، فإنْ رأيتَ أعفيتَني منه وبعثتَ غيري ، والسَّلامُ .
فكتب إليه الحسين بن عليّ عليهماالسلام :
أمَّا بعدُ ؛ فَقَد خَشيتُ ۲ أنْ لا يكونَ حَمَلَكَ عَلى الكتابِ إليَّ في الاسْتِعفاءِ مِن الوَجْهِ الَّذي وَجَّهتُكَ لَه إلاَّ الجُبْنَ ، فامْضِ لِوَجهِكَ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ ، وَالسَّلامُ .
فلمَّا قرأ مُسلِمٌ الكتابَ قال : أمَّا هذا فَلَستُ أتخوَفُهُ عَلى نفسي .
فأقبلَ حتَّى مرَّ بماء لِطَيءٍ ، فنزلَ به ثمَّ ارتحلَ منه ، فإذا رجلٌ يرمي الصَّيدَ ، فنظرَ إليه قد رمى ظَبْياً حين أشرفَ ۳ له فصرعَه ، فقال مسلم : نقتلُ عدوَّنا إنْ شاء اللّه . ثمَّ أقبل حتَّى دخل الكوفة ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد ... ۴
1. الخبت : ماء لقبيلة كلب . (معجم البلدان) .
2. وفي نسخة : «حسبت» .
3. وفي نسخة : «أشراب» . واشرأب : مدّ عنقه لينظر .(الصّحاح) .
4. الإرشاد : ج ۲ ص ۳۹ وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۹۰ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۳۵ ؛ أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۷۰ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۳۴۷ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۵۳۴ ، الفتوح : ج ۵ ص ۵۵ ، البداية والنّهاية : ج ۸ ص ۱۵۲ .