فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : يا أحنَفُ ! لَقَد أغضَيتَ العَينَ عَلَى القَذى ، وقُلتَ بِغَيرِ ما تَرى ، وَايمُ اللّهِ لَتَصعَدَنَّ المِنبَرَ فَلَتَلعَنَّهُ طَوعا أو كَرها ، فَقالَ لَهُ الأَحنَفُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إن تُعفِني فَهُوَ خَيرٌ لَكَ ، وإن تَجبُرني عَلى ذلِكَ فَوَاللّهِ لا تَجري بِهِ شَفَتايَ أبَدا ، قالَ : قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ .
قالَ الأَحنَفُ : أمَا وَاللّهِ مَعَ ذلِكَ لاُنصِفَنَّكَ فِي القَولِ وَالفِعلِ .
قالَ : وما أنتَ قائِلٌ يا أحنَفُ إن أنصَفتَني ؟
قالَ : أصعَدُ المِنبَرَ ، فَأَحمَدُ اللّهَ بِما هُوَ أهلُهُ ، واُصَلّي عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أقولُ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا ، وإنَّ عَلِيّا ومُعاوِيَةَ اختَلَفا فَاقتَتَلا ، وَادَّعى كُلُّ واحِدِ مِنهُما أنَّهُ بُغِيَ عَلَيهِ وعَلى فِئَتِهِ ؛ فَإِذا دَعَوتُ فَأَمِّنوا رَحِمَكُمُ اللّهُ . ثُمَّ أقولُ :
اللّهُمَّ العَن أنتَ ومَلائِكَتُكُ وأنبِياؤُكَ وجَميعُ خَلِقكَ الباغِيَ مِنهُما عَلى صاحِبِهِ ، وَالعَنِ الفِئَةَ الباغِيَةَ ، اللّهُمَّ العَنهُم لَعنا كَثيرا . أمِّنوا رَحِمَكُم اللّهُ !
يا مُعاوِيَةُ ! لا أزيدُ عَلى هذا ولا أنقُصُ مِنهُ حَرفا ولَو كانَ فيهِ ذَهابُ نَفسي .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : إذَن نُعفيكَ يا أبا بَحرٍ ۱ .
۶۴۱۹.عيون الأخبار عن السكن :كَتَبَ الحَسَينُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُما إلَى الأَحنَفِ يَدعوهُ إلى نَفسِهِ فَلَم يَرُدَّ الجَوابَ ، وقالَ : قَد جَرَّبنا آلَ أبِي الحَسَنِ ، فَلَم نَجِد عِندَهُم إيالَةَ ۲ لِلمُلكِ ، ولا جَمعا لِلمالِ ، ولا مَكيدَةً فِي الحَربِ ۳ .
1.العقد الفريد : ج۳ ص۸۷ ، وفيات الأعيان : ج۲ ص۵۰۴ ، نهاية الأرب : ج۷ ص۲۳۷ .
2.الإيَالة : السياسة . يقال : فلان حَسن الإيالة وسَيّئ الإيالة (النهاية : ج۱ ص۸۵) .
3.عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۱ ص۲۱۱ .