۲ / ۲
عَمرُو بنُ العاصِ
سياسيّ ماكر ، ومحتال ماهر ، ووجهٌ متلوّن عجيب ، وعُدَّ أحد دهاة العرب الأربعة . ۱ كان له في الفحشاء عِرقٌ ؛ فاُمّه النابغة كانت من البغايا المشهورة .
ولمّا ولد عمرو فيسنة ۵۰ قبل الهجرة ، نسبته اُمّه إلى خمسة ، ثمّ اختارت العاص وألحقته به . ۲
نشأ عمرو في حجر من كان يهجو النبيّ صلى الله عليه و آله كثيرا ، وهو الذي عبّرت عنه سورة الكوثر بالأبتر . ۳ وكان الإمام الحسن عليه السلام يقول فيه : «ألأَمُهُم حَسَبا ، وأخبَثُهُم مَنصِبا » . ۴
وكان عمرو بن العاص يؤذي النبيّ صلى الله عليه و آله ويهجوه كثيرا في مكّة . وبعد كلّ ما أبداه من عنادٍ وتهتّك لعنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : « اللّهُمَّ إنَّ عَمرَو بنَ العاصِ هَجاني ، وأنتَ تَعلَمُ أنّي لَستُ بِشاعِرٍ ، فَالعَنهُ مَكانَ كُلِّ بَيتٍ هَجاني لَعنَةً » . ۵
وعندما هاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة ، ذهب عمرو بن العاص إلى بلاد النجاشي مبعوثا من قريش ليُرجعهم ، فلم يفلح . ۶
قال ابن أبي الحديد في وصف عمرو بن العاص : وكان عمرو أحد من يؤذي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة ويشتمه ، ويضع في طريقه الحجارة ؛ لأنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخرج من منزله ليلاً ، فيطوف بالكعبة ، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها . . . لشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول اللّه صلى الله عليه و آله أرسله أهل مكّة إلى النجاشي ليزهّده في الدين ، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة ، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله . ۷
قاتل المسلمين في حروب متعدّدة إلى جانب المشركين . ۸
ولمّا أحسّ بقدرة الإسلام المتعاظمة ، أسلم سنة ۸ ه قبل فتح مكّة . ۹
كان ملمّا بفنون القتال . أمّره النبيّ صلى الله عليه و آله في غزوة ذات السلاسل ، وفي الجيش أبو بكر ، وعمر ، ۱۰ وعندما توفّي النبيّ صلى الله عليه و آله كان في مهمّة بعُمان . ۱۱۱۲
أحبّه عمر بن الخطّاب كثيرا ، وكان يكرّمه ويبجّله . ۱۳ وفتح ابن العاص مصر في أيّامه ، ثمّ ولّاه عليها . ۱۴
وظلّ واليا عليها في عهد عثمان مدّة ، ثمّ عزله عثمان وولّى أخاه لاُمّه عبد اللّه ابن سعد بن أبي سرح ؛ انطلاقا من سياسته في تحكيم الاُمويّين . ۱۵ فاغتمّ عمرو لذلك وحقد على عثمان ، وكان له دور مهمّ في تأليب الناس عليه . ۱۶
وكان ابن العاص داهية ، عارفا بزمانه ، ومن جانب آخر كان رَكونا إلى الدنيا ، عابدا لهواه ، من هنا كان يعلم جيّدا أنّه لا يمكن أن ينسجم مع أشخاص مثل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، لذلك ولّى صوب معاوية ۱۷ عندما تقلّد الإمام الخلافة ، وهو يعلم أنّ حبّ الدنيا هو الذي حداه على ذلك ، وقال لمعاوية مرّة : إن هي إلّا الدنيا نتكالب عليها ... . ۱۸
وهكذا كان ، إذ جعل ولاية مصر شرطا لمؤازرته معاوية . ۱۹
وكان في حرب صفّين قائدا لجيش الشام ، ومستشارا لمعاوية ، وموجّها للحرب في ساحة القتال . ۲۰
وكان أسود القلب ، أعماه حبّ الدنيا عن رؤية الحقّ ، وكان يعرف فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وطالما صرّح بها . ۲۱ وكذلك كان يعرف عمّار بن ياسر وشخصيّته ، ويعتقد بكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيه إذ قال له : «تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ» . ۲۲
ومن جهة اُخرى كان يدرك ضعة معاوية ورذالته وتعسّفه .
كما كان هو نفسه لا نظير في ضعته وحقارته ؛ إذ كشف عورته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمّا رأى الموت قد أمسك بخناقه ! ! فنجا من الموت بهذه المكيدة التي تمثّل وصمة عارٍ عليه . ۲۳
وهو صاحب خطّة رفع المصاحف على الرماح عند اشتداد الحرب ، وتواتر الهزائم ، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتميّ . ۲۴
ومثّل معاوية في التحكيم ، فخدع أبا موسى الأشعري ؛ إذ جعل نتيجة التحكيم لمصلحة معاوية ، ۲۵ فمهّد الأرضيّة لفتن اُخرى .
وكان أحد المخطّطين البارعين للسياسة الدعائيّة المناهضة لأمير المؤمنين عليه السلام . ۲۶ وإنّ قيامه بتعكير الأجواء ، وتضليل الناس ، وانتقال المواقف ضدّ أمير المؤمنين عليه السلام معلم على لؤمه وقبحه ومكره ، وأشار الإمام إلى شيء من ذلك إشارة بليغة في الخطبة ۸۴ من نهج البلاغة .
قاتل ابنُ العاص محمّدَ بن أبي بكر في مصر ، فغلبه وأحكم قبضته عليها . ۲۷
هلك سنة ۴۳ ه . ۲۸ وخلّف ثروة طائلة ، ودراهم ودنانير وافرة . وذُكر أنّ أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهبا . ۲۹
1.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۵۸ الرقم ۱۵ ، تهذيب الكمال : ج ۲۲ ص ۸۲ الرقم ۴۳۸۸ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۵۴ .
2.ربيع الأبرار : ج ۳ ص ۵۴۸ ، العقد الفريد : ج ۱ ص ۳۴۷ ، شرح نهج البلاغة : ج ۶ ص ۲۸۴ و ۲۸۵ .
3.البداية والنهاية : ج ۳ ص ۱۰۴ و ج ۵ ص ۳۰۷ ، الدرّ المنثور : ج ۸ ص ۶۴۷ .
4.شرح نهج البلاغة : ج ۶ ص ۲۹۱ .
5.الإيضاح : ص ۸۴ ، الاحتجاج : ج ۲ ص ۳۶ ؛ شرح نهج البلاغة : ج ۶ ص ۲۸۲ و ۲۹۱ كلّها نحوه .
6.مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۴۳۱ ح ۱۷۴۰ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج ۱ ص ۳۵۷ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۶۱ الرقم ۱۵ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۲ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۳ ص ۷۰ ـ ۷۲ .
7.شرح نهج البلاغة : ج ۶ ص ۲۸۳ .
8.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۶۳ الرقم ۱۵ ، البداية والنهاية : ج ۴ ص ۲۳۶ .
9.اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۲ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۴ ص ۲۳۶ .
10.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۶۷ الرقم ۱۵ ، تاريخ الطبري : ج ۳ ص ۳۲ ، تاريخ دمشق : ج ۴۶ ص ۱۴۶ ، تهذيب الكمال : ج ۲۲ ص ۸۱ الرقم ۴۳۸۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۱ ص ۶۰۴ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۳ الرقم ۳۹۷۱ .
11.عُمان : اسم لبلدة عربيّة على ساحل بحر اليمن والهند (معجم البلدان : ج ۴ ص ۱۵۰) . وهي اليوم من دول الجزيرة العربيّة تقع في الجنوب الشرقي منها ، عاصمتها مسقط .
12.تاريخ الطبري : ج ۳ ص ۲۵۸ و ۳۰۲ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۶۹ الرقم ۱۵ ، تاريخ دمشق : ج ۴۶ ص ۱۵۲ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۳ الرقم ۳۹۷۱ وفي بعضها «بالبحرين» .
13.النجوم الزاهرة : ج ۱ ص ۶۳ و۶۴ .
14.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۵۸ الرقم ۱۵ ، تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۱۰۴ ـ ۱۰۶ و ۲۴۱ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۱۷۴ و ۲۲۷ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۶ .
15.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۳۴ الرقم ۸ و ص ۷۱ الرقم ۱۵ ، تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۲۵۳ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۲۳۵ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۱۵۱ .
16.أنساب الأشراف : ج ۶ ص ۱۹۲ و ۲۰۹ و ج ۳ ص ۷۴ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۷۳ الرقم ۱۵ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۶۳ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، الفتوح : ج ۲ ص ۴۱۸ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۱۷۰ .
17.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۶۰ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۶ .
18.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۷۲ الرقم ۱۵ ، تاريخ دمشق : ج ۴۶ ص ۱۶۷ ، النجوم الزاهرة : ج ۱ ص ۶۳ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۶۳ ، الفتوح : ج ۲ ص ۵۱۱ ، الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۱۶ ؛ وقعة صفّين : ص ۳۵ و ۳۹ و۴۳ وفيه شعر عليّ بن أبي طالب عليه السلام في ذلك ، تاريخ اليعقوبى¨ : ج ۲ ص ۱۸۵ والسبعة الأخيرة نحوه .
19.أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۷۴ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۷۲ الرقم ۱۵ ، تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۹۸ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۶۳ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۴۱۱ ، الأخبار الطوال : ص۱۵۸ ، الفتوح : ج ۲ ص ۵۱۳ و۵۱۴ ، الإمامة والسياسة : ج۱ ص ۱۱۷ ؛ وقعة صفّين : ص ۴۰ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۸۶ .
20.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۶۳ و ج ۵ ص ۱۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۵۹ و ۳۷۱ ، الفتوح : ج ۲ ص ۵۳۷ ، الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۱۷ .
21.أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۷۳ ، تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۶۱ ، الأخبار الطوال : ص ۱۵۸ ؛ وقعة صفّين : ص ۳۷ و ص ۲۲۲ و ۲۳۷ ، الأمالي للطوسي : ص ۱۳۴ ح ۲۱۷ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۸۶ .
22.الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۸۱ ، الفتوح : ج ۳ ص ۷۴ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۲۶۸ ؛ وقعة صفّين : ص ۳۴۱ و ۳۴۳ .
23.الفتوح : ج ۳ ص ۴۷ ، البداية والنهاية : ج ۴ ص ۲۰ و ج ۷ ص ۲۶۴ .
24.أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۹۸ ، تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۸۶ ، الفتوح : ج ۳ ص ۱۸۱ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۲۷۳ .
25.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۵۱ و ۷۰ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۳۹۶ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، الفتوح : ج ۴ ص ۱۹۷ .
26.نهج البلاغة : الخطبة ۸۴ ، الأمالي للطوسي : ص ۱۳۱ ح ۲۰۸ ، الغارات : ج ۲ ص ۵۱۳ .
27.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۱۰۰ ـ ۱۰۵ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۴۱۲ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۲۳۴ الرقم ۳۹۷۱ ، البداية والنهاية : ج ۷ ص ۳۱۳ ـ ۳۱۷ .
28.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۵۱۳ ح ۵۹۰۷ و ۵۹۱۰ و ۵۹۰۹ وفيه «سنة ۵۱ و۴۲ هجريّة» و ح ۵۹۱۱ ، تهذيب الكمال : ج ۲۲ ص ۸۳ الرقم ۴۳۸۸ وفيهما «سنة ۴۲ هجريّة» ، تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۱۸۱ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۴۵۸ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۴ .
29.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۷۷ الرقم ۱۵ .