رَأسُهُ ويُنطَلَقَ بِهِ إلَى السِّجنِ .
ثُمَّ دَعا بِآخَرَ فَأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ وكَشَفَ عَن وَجهِهِ ثُمَّ قالَ : كَلّا ! زَعَمتُم أ نّي لا أعلَمُ بِما صَنَعتُم ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أنَا إلّا واحدٌ مِنَ القَومِ ، ولَقَد كُنتُ كارِها لِقَتِلِه ، فَأَقَرَّ .
ثُمَّ دَعا بِواحِدٍ بَعدَ واحِدٍ كُلُّهُم يُقِرُّ بِالقَتلِ وأخذِ المالِ ، ثُمَّ رَدَّ الَّذي كانَ أمَرَ بِهِ إلَى السِّجنِ فَأَقَرَّ أيضا ، فَأَلزَمَهُمُ المالَ وَالدَّمَ .
فَقالَ شُرَيحٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ حَكَمَ داوُدُ النَّبِيُّ عليه السلام ؟
فَقالَ : إنَّ داوُدَ النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِغِلمَةٍ يَلعَبونَ ويُنادونَ بَعضَهُم : ب «يا ماتَ الدّينُ» ، فَيُجيبُ مِنهُم غُلامٌ ، فَدَعاهُم داوُودُ عليه السلام فَقالَ : يا غُلامُ ، مَا اسمُكَ ؟ قالَ : ماتَ الدّينُ ، فَقالَ لَهُ داوُدُ عليه السلام : مَن سَمّاكَ بِهذا الاِسمِ ؟ فَقالَ اُمّي .
فَانطَلَقَ داوُدُ عليه السلام إلى اُمِّهِ ، فَقالَ لَها : يا أيَّتُها المَرأَةُ ! مَا اسمُ ابنِكِ هذا ؟ قالَت : ماتَ الدّينُ ، فَقالَ لَها : ومَن سَمّاهُ بِهذا ؟ قالَت : أبوهُ ، قالَ : وكَيفَ كانَ ذاكَ ؟ قالَت : إنَّ أباهُ خَرَجَ في سَفَرٍ لَهُ ومَعَهُ قَومٌ ، وهذَا الصَّبِيُّ حَملٌ في بَطني ، فَانصَرَفَ القَومُ ولَم يَنصَرِف زَوجي ، فَسَأَلتُهُم عَنهُ ، فَقالوا : ماتَ ، فَقُلتُ لَهُم : فَأَينَ ما تَرَكَ ؟ قالوا : لَم يُخلِّف شَيئا ، فَقُلتُ : هَل أوصاكُم بِوَصِيَّةٍ ؟ قالوا : نَعَم ، زَعَمَ أ نَّكِ حُبلى ، فَما وَلَدتِ مِن وَلَدٍ ـ جارِيَةٍ أو غُلامٍ ـ فَسَمّيهِ «ماتَ الدّين» ، فَسَمَّيتُهُ .
قالَ داوُدُ عليه السلام : وتَعرِفينَ القَومَ الَّذينَ كانوا خَرَجوا مَعَ زَوجِكِ ؟ قالَت : نَعَم ، قالَ : فَأَحياءٌ هُم أم أمواتٌ ؟ قالَت : بَل أحياءٌ ، قالَ : فَانطَلِقي بِنا إلَيهِم ، ثُمَّ مَضى مَعَها فَاستَخرَجَهُم مِن مَنازِلِهِم ، فَحَكَمَ بَينَهُم بِهذا الحُكمِ بِعَينِهِ وأثبَتَ عَلَيهِمُ المالَ وَالدَّمَ ، وقالَ لِلمَرأَةِ : سَمِّي ابنَكِ هذا «عاشَ الدّينُ» ۱ .