لَو فَكَّرَ الفَرَضي ۱ فيها فِكرا طَويلاً لَاستُحسِنَ مِنهُ بَعدَ طولِ النَّظَرِ هذَا الجَوابُ ، فَما ظَنُّكَ بِمَن قالَهُ بَديهَةً ، وَاقتَضَبَهُ ارتِجالاً !
ومِنَ العُلومِ عِلمُ تَفسيرِ القُرآنِ ، وعَنهُ اُخِذَ ، ومِنهُ فُرِّعَ . وإذا رَجَعتَ إلى كُتُبِ التَّفسيرِ عَلِمتَ صِحَّةَ ذلِكَ ؛ لِأَنَّ أكثَرَهُ عَنهُ وعَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، وقَد عَلِمَ النّاسُ حالَ ابنِ عَبّاسٍ في مُلازَمَتِهِ لَهُ وانقِطاعِهِ إلَيهِ ، وأ نَّهُ تِلميذُهُ وخِرّيجُهُ . وقيلَ لَهُ : أينَ عِلمُكَ مِن عِلمِ ابنِ عَمِّكَ ؟ فَقالَ : كَنِسبَةِ قَطرَةٍ مِنَ المَطَرِ إلَى البَحرِ المُحيطِ .
ومِنَ العُلومِ عِلمُ الطَّريقَةِ وَالحَقيقَةِ وأحوالِ التَّصَوُّفِ ، وقَد عَرَفتَ أنَّ أربابَ هذَا الفَنِّ في جَميعِ بِلادِ الإِسلامِ إلَيهِ يَنتَهون ، وعِندَهُ يَقِفونَ . وقَد صَرَّحَ بِذلِكَ الشِّبِليُّ ، وَالجُنَيدُ ، وسَرِيّ ، وأبو يَزيدَ البِسطامِيّ ، وأبو مَحفوظٍ مَعروفٌ الكَرَخِيُّ ، وغَيرُهُم .
ويَكفيكَ دَلالَةً عَلى ذلِكَ ، الخِرقَةُ الَّتي هِيَ شِعارُهُم إلَى اليَومِ ، وكَونُهُم يُسنِدونَها بِإِسنادٍ مُتَّصِلٍ إلَيهِ عليه السلام .
ومِنَ العُلومِ عِلمُ النَّحوِ وَالعَرَبِيَّةِ ، وقَد عَلِمَ النّاسُ كافَّةً أ نَّهُ هُوَ الَّذي ابتَدَعَهُ وأنشَأَهُ ، وأملى عَلى أبِي الأَسوَدِ الدُّؤَلِيِّ جَوامِعَهُ واُصولَهُ ؛ مَن جُملَتِهَا : الكَلامُ كُلُّهُ ثَلاثَةُ أشياءَ : اِسمٌ وفِعلٌ وحَرفٌ . ومِن جُملَتِها : تَقسيمُ الكَلِمَةِ إلى مَعرِفَةٍ ونَكِرَةٍ ، وتَقسيمُ وُجوهِ الإِعرابِ إلَى الرَّفعِ وَالنَّصبِ وَالجَرِّ وَالجَزمِ ، وهذا يَكادُ يُلحَقُ بِالمُعجِزاتِ ؛ لِأَنَّ القُوَّةَ البَشَرِيَّةَ لا تَفي بِهذا الحَصرِ ، ولا تَنهَضُ بِهذَا الاِستِنباطِ ۲ .