فَرَأَيتُهُ مُطرِقا مُفَكِّرا ، فَقُلتُ : فيمَ تُفَكِّرُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟
قالَ : إنّي سَمِعتُ بِبَلَدِكُم هذا لَحنا فَأَرَدتُ أن أصنَعَ كِتابا في اُصولِ العَرَبِيَّةِ .
فَقُلتُ : إن فَعَلتَ هذا أحيَيتَنا ، وبَقِيَت فينا هذِهِ اللُّغَةُ .
ثُمَّ أتَيتُهُ بَعدَ ثَلاثٍ ، فَأَلقى إلَيَّ صَحيفَةً فيها : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، الكَلِمَةُ : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ، فَالاِسمُ : ما أنبَأَ عَنِ المُسَمّى ، وَالفِعلُ : ما أنبَأَ عَن حَرَكَةِ المُسَمّى ، وَالحَرفُ : ما أنبَأَ عَن مَعنىً لَيسَ بِاسمِ ولا فِعلٍ .
ثُمَّ قالَ : تَتَبَّعهُ وزِد فيهِ ما وَقَعَ لَكَ ، وَاعلَم يا أبَا الأَسوَدِ ، أنَّ الأَشياءَ ثَلاثَةٌ : ظاهِرٌ ، ومُضمَرٌ ، وشَيءٌ لَيسَ بِظاهِرٍ ولا مُضمَرٍ ، وإنَّما يَتَفاضَلُ العُلَماءُ في مَعرِفَةِ ما لَيسَ بِظاهِرٍ ولا مُضمَرٍ .
قالَ أبُو الأَسوَدِ : فَجَمَعتُ مِنهُ أشياءَ وعَرَضتُها عَلَيهِ ، فَكانَ مِن ذلِكَ حُروفُ النَّصبِ ، فَذَكَرتُ مِنها : إنَّ وأنَّ ولَيتَ ولَعَلَّ وكَأَنَّ ، ولَم أذكُر لكِنَّ ، فَقالَ لي : لِمَ تَرَكتَها ؟
فَقُلتُ : لَم أحسَبها مِنها . فَقالَ : بَلى هِيَ مِنها ، فَزِدها فيها ۱ .
۵۶۳۳.شعب الإيمان عن صَعصَعَة بن صَوحان :جاءَ أعرابِيٌّ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَيفَ تَقرَأُ هذَا الحَرفَ «لا يَأكُلُهُ إلَا الخاطونَ» كُلٌّ وَاللّهِ يَخطو ؟
فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ رضى الله عنه وقالَ : يا أعرابِيُّ «لَا يَأْكُلُهُ إِلَا الْخَـطِئونَ» ۲ .
قالَ : صَدَقتَ وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما كانَ اللّهُ لِيُسلِمَ عَبدَهُ .