ما زَيَّنَ ، وَاستَعظَمَ ما هَوَّنَ ، وحَذَّرَ ما أمَّنَ .
أم هذَا الَّذي أنشَأَهُ في ظُلُماتِ الأَرحامِ ، وشُغُفِ ۱ الأَستارِ ، نُطفَةً دِهاقا ۲ ، وعَلَقَةً مِحاقا ، وجَنينا وراضِعا ، ووَليدا ويافِعا . ثُمَّ مَنَحَهُ قَلبا حافِظا ، ولِسانا لافِظا ، وبَصَرا لاحِظا ؛ لِيَفهَمَ مُعتَبِرا ، ويُقَصِّرُ مُزدَجِرا . حَتّى إذا قامَ اعتِدالُهُ ، وَاستَوى مِثالُهُ ؛ نَفَرَ مُستَكبِرا ، وخَبَطَ سادِرا ۳ ، ماتِحا في غَربِ ۴ هَواهُ ، كادِحا سَعيا لِدُنياهُ ، في لَذّاتِ طَرَبِهِ ، وبَدَواتِ ۵ أرَبِهِ ، ثُمَّ لا يَحتَسِبُ رَزِيَّةً ، ولا يَخشَعُ تَقِيَّةً . فَماتَ في فِتنَتِهِ غَريرا ۶ ، وعاشَ في هَفوَتِهِ يَسيرا . لَم يُفِد عِوَضا ، ولَم يَقضِ مُفتَرَضا . دَهِمَتهُ فَجَعاتُ المَنِيَّةِ في غُبَّرِ ۷
جِماحِهِ ، وسَنَن مِراحِهِ ، فَظَلَّ سادِرا ، وباتَ ساهِرا ، في غَمَراتِ الآلامِ ، وطَوارِقِ الأَوجاعِ وَالأَسقامِ ، بَينَ أخٍ شَقيقٍ ، ووالِدٍ شَفيقٍ ، وداعِيَةٍ بِالوَيلِ جَزَعا ، ولادِمَةٍ ۸ لِلصَّدرِ قَلَقا . وَالمَرءُ في سَكرَةٍ مُلهِثَةٍ ، وغَمرَةٍ ۹ كارِثَةٍ ، وأ نَّةٍ موجِعَةٍ ، وجَذبَةٍ مُكرِبَةٍ ، وسَوقَةٍ مُتعِبَةٍ . ثُمَّ اُدرِجَ في أكفانِهِ مُبلِسا ۱۰ ، وجُذِبَ مُنقادا سَلِسا . ثُمَّ اُلقِيَ عَلَى الأَعوادِ رَجيعَ وَصَبٍ ۱۱ ،
1.الشُّغُف : جمع شَغافِ القلب ، وهو حجابُه ، فاستعارَه لموضِع الوَلد (النهاية : ج۲ ص۴۸۳) .
2.نطفة دِهاقاً : أي نطفة قد اُفرغَت إفراغاً شديداً (النهاية : ج۲ ص۱۴۵) .
3.سادراً : أي لاهِياً (النهاية : ج۲ ص۳۵۴) .
4.الماتِح : المستقي من البئر بالدلوِ من أعلى البئر . والغَرْب : الدلو العظيمة التي تتّخذ من جلد ثور (النهاية : ج۴ ص۲۹۱ و ج۳ ص۳۴۹) .
5.بَدوات: آراء تظهر للرجل فيختار بعضاً ويسقط بعض (تاج العروس : ج۱۹ ص۱۹۰) .
6.الغَرير : المغرور (لسان العرب : ج۵ ص۱۳) .
7.الغُبّر : جمع الغابِر ؛ أي الباقي (النهاية : ج۳ ص۳۳۸) .
8.أي ضاربات . والالتدام : ضرب النساء وجوهَهنّ في النياحة (النهاية : ج۴ ص۲۴۵) .
9.غَمرة كلّ شيء : منهَمَكهُ وشدَّته ، كغَمرةِ الهمّ والموت ونحوهما (لسان العرب : ج۵ ص۲۹) .
10.المُبلِس : الساكت من الحزن أو الخوف . والإبلاس : الحيرة (النهاية : ج۱ ص۱۵۲) .
11.الرجيع من الدوابّ : ما رَجَعْته من سفر إلى سفر ؛ وهَو الكالّ . والوَصَب : دوام الوَجَع ولزومه ، وقد يطلق على التعب والفتور في البَدن (لسان العرب : ج۸ ص۱۱۶ و ج۱ ص۷۹۷) .