239
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس

ما زَيَّنَ ، وَاستَعظَمَ ما هَوَّنَ ، وحَذَّرَ ما أمَّنَ .
أم هذَا الَّذي أنشَأَهُ في ظُلُماتِ الأَرحامِ ، وشُغُفِ ۱ الأَستارِ ، نُطفَةً دِهاقا ۲ ، وعَلَقَةً مِحاقا ، وجَنينا وراضِعا ، ووَليدا ويافِعا . ثُمَّ مَنَحَهُ قَلبا حافِظا ، ولِسانا لافِظا ، وبَصَرا لاحِظا ؛ لِيَفهَمَ مُعتَبِرا ، ويُقَصِّرُ مُزدَجِرا . حَتّى إذا قامَ اعتِدالُهُ ، وَاستَوى مِثالُهُ ؛ نَفَرَ مُستَكبِرا ، وخَبَطَ سادِرا ۳ ، ماتِحا في غَربِ ۴ هَواهُ ، كادِحا سَعيا لِدُنياهُ ، في لَذّاتِ طَرَبِهِ ، وبَدَواتِ ۵ أرَبِهِ ، ثُمَّ لا يَحتَسِبُ رَزِيَّةً ، ولا يَخشَعُ تَقِيَّةً . فَماتَ في فِتنَتِهِ غَريرا ۶ ، وعاشَ في هَفوَتِهِ يَسيرا . لَم يُفِد عِوَضا ، ولَم يَقضِ مُفتَرَضا . دَهِمَتهُ فَجَعاتُ المَنِيَّةِ في غُبَّرِ ۷
جِماحِهِ ، وسَنَن مِراحِهِ ، فَظَلَّ سادِرا ، وباتَ ساهِرا ، في غَمَراتِ الآلامِ ، وطَوارِقِ الأَوجاعِ وَالأَسقامِ ، بَينَ أخٍ شَقيقٍ ، ووالِدٍ شَفيقٍ ، وداعِيَةٍ بِالوَيلِ جَزَعا ، ولادِمَةٍ ۸ لِلصَّدرِ قَلَقا . وَالمَرءُ في سَكرَةٍ مُلهِثَةٍ ، وغَمرَةٍ ۹ كارِثَةٍ ، وأ نَّةٍ موجِعَةٍ ، وجَذبَةٍ مُكرِبَةٍ ، وسَوقَةٍ مُتعِبَةٍ . ثُمَّ اُدرِجَ في أكفانِهِ مُبلِسا ۱۰ ، وجُذِبَ مُنقادا سَلِسا . ثُمَّ اُلقِيَ عَلَى الأَعوادِ رَجيعَ وَصَبٍ ۱۱ ،

1.الشُّغُف : جمع شَغافِ القلب ، وهو حجابُه ، فاستعارَه لموضِع الوَلد (النهاية : ج۲ ص۴۸۳) .

2.نطفة دِهاقاً : أي نطفة قد اُفرغَت إفراغاً شديداً (النهاية : ج۲ ص۱۴۵) .

3.سادراً : أي لاهِياً (النهاية : ج۲ ص۳۵۴) .

4.الماتِح : المستقي من البئر بالدلوِ من أعلى البئر . والغَرْب : الدلو العظيمة التي تتّخذ من جلد ثور (النهاية : ج۴ ص۲۹۱ و ج۳ ص۳۴۹) .

5.بَدوات: آراء تظهر للرجل فيختار بعضاً ويسقط بعض (تاج العروس : ج۱۹ ص۱۹۰) .

6.الغَرير : المغرور (لسان العرب : ج۵ ص۱۳) .

7.الغُبّر : جمع الغابِر ؛ أي الباقي (النهاية : ج۳ ص۳۳۸) .

8.أي ضاربات . والالتدام : ضرب النساء وجوهَهنّ في النياحة (النهاية : ج۴ ص۲۴۵) .

9.غَمرة كلّ شيء : منهَمَكهُ وشدَّته ، كغَمرةِ الهمّ والموت ونحوهما (لسان العرب : ج۵ ص۲۹) .

10.المُبلِس : الساكت من الحزن أو الخوف . والإبلاس : الحيرة (النهاية : ج۱ ص۱۵۲) .

11.الرجيع من الدوابّ : ما رَجَعْته من سفر إلى سفر ؛ وهَو الكالّ . والوَصَب : دوام الوَجَع ولزومه ، وقد يطلق على التعب والفتور في البَدن (لسان العرب : ج۸ ص۱۱۶ و ج۱ ص۷۹۷) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
238

وَاعلَموا أنَّ مَجازَكُم عَلَى الصِّراطِ ومَزالِقِ دَحضِهِ ۱ وأهاويلِ زَلَلِهِ ، وتاراتِ أهوالِهِ . فَاتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَه ، وأنصَبَ الخَوفُ بَدَنَهُ ، وأسهَرَ التَّهَجُّدُ غِرارَ ۲ نَومِهِ ، وأظمَأَ الرَّجاءُ هَواجِرَ ۳ يَومِهِ ، وظَلَفَ الزُّهدُ شَهَواتِهِ ۴ ، وأوجَفَ الذِّكرُ بِلِسانِهِ ۵ ، وقَدَّمَ الخَوفَ لِأَمانِهِ ، وتَنَكَّبَ المَخالِجَ ۶ عَن وَضَحِ السَّبيلِ ، وسَلَكَ أقصَدَ المَسالِكِ إلَى النَّهجِ المَطلوبِ ، ولَم تَفتِلهُ فاتِلاتُ الغُرورِ ، ولَم تَعمَ عَلَيهِ مُشتَبِهاتُ الاُمورِ . ظافِرا بِفَرَحَةِ البُشرى ، وراحَةِ النُّعمى في أنعَمِ نَومِهِ وآمَنَ يَومِهِ . قَد عَبَرَ مَعبَرَ العاجِلَةِ حَميدا ، وقَدَّمَ زادَ الآجِلَةِ سَعيدا . وبادَرَ مِن وَجَلٍ ، وأكمَشَ ۷ في مَهَلٍ . ورَغِبَ في طَلَبٍ ، وذَهَبَ عَن هَرَبٍ ، وراقَبَ في يَومِهِ غَدَهُ ، ونَظَرَ قُدُما أمامَهُ . فَكَفى بِالجَنَّةِ ثَوابا ونَوالاً ، وكَفى بِالنّارِ عِقابا ووَبالاً ! وكَفى بِاللّهِ مُنتَقِما ونَصيرا ! وكَفى بِالكِتابِ حَجيجا وخَصيما !
اُوصيكُم بِتَقوَى اللّهِ الَّذي أعذَرَ بِما أنذَرَ ، واحتَجَّ بِما نَهَجَ ، وحَذَّرَكُم عَدُوّا نَفَذَ فِي الصُّدورِ خَفِيّا ، ونَفَثَ فِي الآذانِ نَجِيّا ۸ ؛ فَأَضَلَّ وأردى ، ووَعَدَ فَمَنّى ، وزَيَّنَ سَيِّئاتِ الجَرائِمِ ، وهَوَّنَ موبِقاتِ العَظائِمِ . حَتّى إذَا استَدرَجَ قَرينَتَهُ ۹ ، وَاستَغلَقَ رَهينَتَهُ ، أنكَر

1.دحض : زلق (النهاية : ج۲ ص۱۰۴) .

2.الغرار : النوم القليل ، وقيل : هو القليل من النوم وغيره (لسان العرب : ج۵ ص۱۷) .

3.الهواجر : جمع هاجِرة ؛ وهي نصف النهار عند اشتداد الحرّ (الصحاح : ج۲ ص۸۵۱) .

4.أي : كَفّها ومَنَعها (النهاية : ج۳ ص۱۵۹) .

5.أي : حَرّكه مسرِعاً (النهاية : ج۵ ص۱۵۷) .

6.تنكَّب عن الطريق : إذا عدل عنه . والمخالج : أي الطرق المتشعّبة عن الطريق الأعظم الواضح (النهاية : ج۵ ص۱۱۲ و ج۲ ص۵۹) .

7.أي تَشَمّر وجَدَّ (النهاية : ج۴ ص۲۰۰) .

8.من النجوى ؛ وهو السِرّ ما بين الاثنين والجماعة (مجمع البحرين : ج۳ ص۱۷۵۶) .

9.القرينة ـ هاهنا ـ : الإنسان الذي قارنه الشيطان ، ولفظه لفظ التأنيث ، وهو مذكّر . ويجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس (شرح نهج البلاغة : ج۶ ص۲۶۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24646
صفحه از 496
پرینت  ارسال به