237
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس

أرهَقَتهُمُ ۱ المَنايا دونَ الآمالِ ، وشَذَّبَهُم عَنها ۲ تَخَرُّمُ الآجالِ . لَم يَمهَدوا في سَلامَة الأَبدانِ ، ولَم يَعتَبِروا في اُنُفِ ۳ الأَوانِ .
فَهَل يَنتَظِرُ أهلُ بَضاضَةِ ۴ الشَّبابِ إلّا حَوانِيَ الهَرَمِ ؟ وأهلُ غَضارَةِ ۵
الصِّحَّةِ إلّا نَوازِلَ السَّقَمِ ؟ وأهلُ مُدَّةِ البَقاءِ إلّا آوِنَةَ الفَناءِ ؟ مَعَ قُربِ الزِّيالِ ، واُزوفِ الاِنتِقالِ ، وعَلَزِ ۶ القَلَقِ ، وألَمِ المَضَضِ وغُصَصِ الجَرَضِ ۷ ، وتَلَفُّتِ الاِستِغاثَةِ بِنُصرَةِ الحَفَدَةِ وَالأَقرِباءِ وَالأَعِزَّةِ وَالقُرَناءِ ! فَهَل دَفَعَتِ الأَقارِبُ أو نَفَعَتِ النَّواحِبُ ، وقَد غودِرَ في مَحَلَّةِ الأَمواتِ رَهينا ، وفي ضيقِ المَضجَعِ وَحيدا ، قَد هَتَكَتِ الهَوامُّ جِلدَتَهُ ، وأبلَتِ النَّواهِكُ جِدَّتَهُ ، وعَفَتِ ۸ العَواصِفُ آثارَهُ ، ومَحَا الحَدَثانِ ۹ مَعالِمَهُ ، وصارَتِ الأَجسادُ شَحِبَةً بَعدَ بَضَّتِها ، وَالعِظامُ نَخِرَةً بَعدَ قُوَّتِها ، وَالأَرواحُ مُرتَهَنَةً بِثِقَلِ أعبائِها ، موقِنَةً بِغَيبِ أنبائِها ، لا تُستَزادُ مِن صالِحِ عَمَلِها ، ولا تُستَعتَبُ مِن سَيِّىَ زَلَلِها !
أ وَلَستُم أبناءَ القَومِ وَالآباءَ ، وإخوانَهُم وَالأَقرِباءَ ، تَحتَذونَ أمثِلَتَهُم ، وتَركَبونَ قِدَّتَهُم ۱۰ وتَطَؤونَ جادَّتَهُم ؟ ! . فَالقُلوبُ قاسِيَةٌ عَن حَظِّها ، لاهِيَةٌ عَن رُشدِها ، سالِكَةٌ في غَيرِ مِضمارِها ، كَأنَّ المَعنِيَّ سِواها ، وكَأَنَّ الرُّشدَ في إحرازِ دُنياها !

1.أرهقه: أغشاه و أعجله (النهاية: ج۲ ص۲۸۳).

2.شذّبهم عنها : قطعهم وفرّقهم ، من تشذيب الشجرة ؛ وهو تقشيرها . وتخرّمت زيداً المنيّة استأصلته واقتطعته (شرح نهج البلاغة : ج۶ ص۲۶۰) .

3.اُنُف : أي مستأنف استئنافاً ، واُنْفة الشيء : ابتداؤه (النهاية : ج۱ ص۷۵) .

4.البَضاضة : رقّة اللون وصفاؤه الذي يؤثّر فيه أدنى شيء (النهاية : ج۱ ص۱۳۲) .

5.الغَضارة : النِّعمة والخَير والسَّعة في العَيش والخِصب والبَهجة (تاج العروس : ج۷ ص۳۱۱) .

6.العَلَز : خِفّة وهَلَع يُصيب الإنسان (النهاية : ج۳ ص۲۸۷) .

7.الجَرَض : أن تَبلغ الروحُ الحلقَ (النهاية : ج۱ ص۲۶۱) .

8.عفا الأثر : بمعنى دَرَسَ وامَّحى (النهاية : ج۳ ص۲۶۶) .

9.حَدَثان الدهر : نُوَبه وما يَحدث منه (لسان العرب : ج۲ ص۱۳۲) .

10.القِدّة : الطريقة (لسان العرب : ج۳ ص۳۴۴) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
236

المُرتادِ ، في مَدَّةِ الأَجَلِ ، ومُضطَرَبِ المَهَلِ .
فَيالَها أمثالاً صائِبَةً ، ومواعِظَ شافِيَةً ، لَو صادَفَت قُلوبا زاكِيَةً ، وأسماعا واعِيَةً ، وآراءً عازِمَةً ، وألباباً حازِمَةً !
فَاتَّقُوا اللّهَ تَقِيَّةَ مَن سَمِعَ فَخَشَعَ ، وَاقتَرَفَ فَاعتَرَفَ ، ووَجِلَ فَعَمِلَ ، وحاذَرَ فَبادَرَ ، وأيقَنَ فَأَحسَنَ ، وعُبِّرَ فَاعتَبَرَ ، وحُذِّرَ فَحَذِرَ ، وزُجِرَ فَازدَجَرَ ، وأجابَ فَأَنابَ ، وراجَعَ فَتابَ ، وَاقتَدى فَاحتَذى ، واُرِيَ فَرَأى ، فَأَسرَعَ طالِبا ، ونَجا هارِبا ، فَأَفادَ ذَخيرَةً ، وأطابَ سَريرَةً . وعَمَّرَ مَعادا ، وَاستَظهَرَ زادا لِيَومِ رَحيلِهِ ، ووَجهِ سَبيلِهِ ، وحالِ حاجَتِهِ ، ومَوطِنِ فاقَتِهِ ، وقَدَّمَ أمامَهُ ، لِدارِ مُقامِهِ .
فَاتَقُّوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ جِهَةَ ما خَلَقَكُم لَهُ ، وَاحذَروا مِنهُ كُنهَ ما حَذَّرَكُم مِن نَفسِهِ ، وَاستَحِقّوا مِنهُ ما أعَدَّ لَكُم بِالتَّنَجُّزِ ۱ لِصِدقِ ميعادِهِ ، وَالحَذَرِ مِن هَولِ مَعادِهِ .
ومِنها : جَعَلَ لَكُم أسماعا لِتَعِيَ ما عَناها ، وأبصارا لِتَجلُوَ عَن عَشاها ، وأشلاءً ۲ جامِعَةً لِأَعضائِها ، مُلائِمَةً لِأَحنائِها ۳ ، في تَركيبِ صُوَرِها ومُدَدِ عُمُرِها ، بِأَبدانٍ قائِمَةٍ بِأَرفاقِها ۴ ، وقُلوبٍ رائِدَةٍ لِأَرزاقِها ، في مُجَلِّلاتِ ۵ نِعَمِهِ ، وموجِباتِ مِنَنِهِ ، وحَواجِزِ عافِيَتِهِ . وقَدَّرَ لَكُم أعمارا سَتَرَها عَنكُم ، وخَلَّفَ لَكُم عِبَرا مِن آثارِ الماضينَ قَبلَكُم ؛ مِن مُستَمتَعِ خَلاقِهِم ۶ ، ومُستَفسَحِ خَناقِهِم ۷ .

1.التنجّز : طلب شيء قد وُعِدتَه (لسان العرب : ج۵ ص۴۱۴) .

2.الأشلاء : جمع شلو ؛ وهو العضو ، وأراد عليه السلام بالأشلاء هاهنا الأعضاء الظاهرة ، و بالأعضاء : الجوارح الباطنة (شرح نهج البلاغة : ج۶ ص۲۵۸) .

3.أحناؤها : أي معاطفها (النهاية : ج۱ ص۴۵۵) .

4.أرفاقها : منافعها ، يقال : هذا الأمر رَفيق بك أي نافِع (تاج العروس : ج۱۳ ص۱۶۹) .

5.جلّل الشيء : عَمَّ (تاج العروس : ج۱۴ ص۱۱۸) .

6.الخَلاق : الحظّ والنصِيب (النهاية : ج۲ ص۷۰) .

7.الخِناق : الحَبل الذي يُخنَق به (لسان العرب : ج۱۰ ص۹۳) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24597
صفحه از 496
پرینت  ارسال به