أرهَقَتهُمُ ۱ المَنايا دونَ الآمالِ ، وشَذَّبَهُم عَنها ۲ تَخَرُّمُ الآجالِ . لَم يَمهَدوا في سَلامَة الأَبدانِ ، ولَم يَعتَبِروا في اُنُفِ ۳ الأَوانِ .
فَهَل يَنتَظِرُ أهلُ بَضاضَةِ ۴ الشَّبابِ إلّا حَوانِيَ الهَرَمِ ؟ وأهلُ غَضارَةِ ۵
الصِّحَّةِ إلّا نَوازِلَ السَّقَمِ ؟ وأهلُ مُدَّةِ البَقاءِ إلّا آوِنَةَ الفَناءِ ؟ مَعَ قُربِ الزِّيالِ ، واُزوفِ الاِنتِقالِ ، وعَلَزِ ۶ القَلَقِ ، وألَمِ المَضَضِ وغُصَصِ الجَرَضِ ۷ ، وتَلَفُّتِ الاِستِغاثَةِ بِنُصرَةِ الحَفَدَةِ وَالأَقرِباءِ وَالأَعِزَّةِ وَالقُرَناءِ ! فَهَل دَفَعَتِ الأَقارِبُ أو نَفَعَتِ النَّواحِبُ ، وقَد غودِرَ في مَحَلَّةِ الأَمواتِ رَهينا ، وفي ضيقِ المَضجَعِ وَحيدا ، قَد هَتَكَتِ الهَوامُّ جِلدَتَهُ ، وأبلَتِ النَّواهِكُ جِدَّتَهُ ، وعَفَتِ ۸ العَواصِفُ آثارَهُ ، ومَحَا الحَدَثانِ ۹ مَعالِمَهُ ، وصارَتِ الأَجسادُ شَحِبَةً بَعدَ بَضَّتِها ، وَالعِظامُ نَخِرَةً بَعدَ قُوَّتِها ، وَالأَرواحُ مُرتَهَنَةً بِثِقَلِ أعبائِها ، موقِنَةً بِغَيبِ أنبائِها ، لا تُستَزادُ مِن صالِحِ عَمَلِها ، ولا تُستَعتَبُ مِن سَيِّىَ زَلَلِها !
أ وَلَستُم أبناءَ القَومِ وَالآباءَ ، وإخوانَهُم وَالأَقرِباءَ ، تَحتَذونَ أمثِلَتَهُم ، وتَركَبونَ قِدَّتَهُم ۱۰ وتَطَؤونَ جادَّتَهُم ؟ ! . فَالقُلوبُ قاسِيَةٌ عَن حَظِّها ، لاهِيَةٌ عَن رُشدِها ، سالِكَةٌ في غَيرِ مِضمارِها ، كَأنَّ المَعنِيَّ سِواها ، وكَأَنَّ الرُّشدَ في إحرازِ دُنياها !
1.أرهقه: أغشاه و أعجله (النهاية: ج۲ ص۲۸۳).
2.شذّبهم عنها : قطعهم وفرّقهم ، من تشذيب الشجرة ؛ وهو تقشيرها . وتخرّمت زيداً المنيّة استأصلته واقتطعته (شرح نهج البلاغة : ج۶ ص۲۶۰) .
3.اُنُف : أي مستأنف استئنافاً ، واُنْفة الشيء : ابتداؤه (النهاية : ج۱ ص۷۵) .
4.البَضاضة : رقّة اللون وصفاؤه الذي يؤثّر فيه أدنى شيء (النهاية : ج۱ ص۱۳۲) .
5.الغَضارة : النِّعمة والخَير والسَّعة في العَيش والخِصب والبَهجة (تاج العروس : ج۷ ص۳۱۱) .
6.العَلَز : خِفّة وهَلَع يُصيب الإنسان (النهاية : ج۳ ص۲۸۷) .
7.الجَرَض : أن تَبلغ الروحُ الحلقَ (النهاية : ج۱ ص۲۶۱) .
8.عفا الأثر : بمعنى دَرَسَ وامَّحى (النهاية : ج۳ ص۲۶۶) .
9.حَدَثان الدهر : نُوَبه وما يَحدث منه (لسان العرب : ج۲ ص۱۳۲) .
10.القِدّة : الطريقة (لسان العرب : ج۳ ص۳۴۴) .