قَبلَ أن يُشهَدَ عَلَيهِ . لا يُضيعُ مَا استُحفِظَ ، ولا يَنسى ما ذُكِّرَ ، ولا يُنابِزُ بِالأَلقابِ ، ولا يُضارُّ بِالجارِ ، ولا يَشمَتُ بِالمَصائِبِ ، ولا يَدخُلُ فِي الباطِلِ ، ولا يَخرُجُ مِنَ الحَقِّ .
إن صَمَتَ لَم يَغُمَّهُ صَمتُهُ ، وإن ضَحِكَ لَم يَعلُ صَوتُهُ ، وإن بُغِيَ عَلَيهِ صَبَرَ حَتّى يَكونَ اللّهُ هُوَ الَّذي يَنتَقِمُ لَهُ . نَفسُهُ مِنهُ في عَناءٍ ، وَالنّاسُ مِنهُ في راحَةٍ . أتعَبَ نَفسَهُ لِاخِرَتِهِ ، وأراحَ النّاسَ مِن نَفسِهِ . بُعدُهُ عَمَّن تباعَدَ عَنهُ زُهدٌ ونَزاهَةٌ ، ودُنُوُّهُ مِمَّن دَنا مِنهُ لَينٌ ورَحمَةٌ . لَيسَ تَباعُدُهُ بِكِبرٍ وعَظَمَةٍ ، ولا دُنُوُّهُ بِمَكرٍ وخَديعَةٍ .
قالَ : فَصَعِقَ هَمّامٌ صَعقَةً كانَت نَفسُهُ فيها .
فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أما وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أخافُها عَلَيهِ . ثُمَّ قالَ : أ هكَذا تَصنَعُ المَواعِظُ البالِغَةُ بِأَهلِها ؟ فَقالَ لَهُ قائِلٌ : فَما بالُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ !
فَقالَ عليه السلام : وَيحَكَ ! إنَّ لِكُلِّ أجَلٍ وَقتا لا يَعدوهُ ، وسَبَبا لا يَتَجاوَزُهُ . فَمَهلاً لا تَعُد لِمِثلِها ۱ ؛ فَإِنَّما نَفَثَ ۲ الشَّيطانُ عَلى لِسانِكَ ! ۳ .
1.قال ابن أبي الحديد : إنّما نهى أمير المؤمنين عليه السلام القائل : «فهلّا أنت يا أمير المؤمنين !» لأ نّه اعترض في غير موضع الاعتراض ، وذلك أ نّه لايلزم من موت العامّي عند وعظ العارف أن يموت العارف عن وعظ نفسه ؛ لأنّ انفعال العامّي ذي الاستعداد التامّ للموت عند سماع المواعظ البالغة أتمّ من استعداد العارف عند سماع نفسه أو الفكر في كلام نفسه ؛ لأنَّ نفس العارف قويّة جدّاً ، والآلة التي يُحفر بها الطين قد لا يُحفر بها الحجر (شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۱۶۱) .
2.نَفَثَ الشيطان على لسانه : أي ألقى فتكلّم (مجمع البحرين : ج۳ ص۱۸۰۸) .
3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۳ ، صفات الشيعة : ص۹۶ ح۳۵ ، الأمالي للصدوق : ص۶۶۶ ح۸۹۷ كلاهما عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عنه عليهم السلام ، تحف العقول : ص۱۵۹ ، التمحيص : ص۷۰ ح۱۷۰ ، كتاب سليم بن قيس : ج۲ ص۸۴۹ ح۴۳ كلّها نحوه وراجع الخطبة ۸۷ و ۱۵۷ و۱۶۱ و۱۷۸ و۱۸۸ و۱۹۰ و۱۹۱ والكافي : ج۲ ص۲۲۶ ح۱ وبحار الأنوار : ج۷۷ ص۳۶۷ ـ ۴۴۲ وتذكرة الخواصّ : ص۱۳۸ .