233
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس

قَبلَ أن يُشهَدَ عَلَيهِ . لا يُضيعُ مَا استُحفِظَ ، ولا يَنسى ما ذُكِّرَ ، ولا يُنابِزُ بِالأَلقابِ ، ولا يُضارُّ بِالجارِ ، ولا يَشمَتُ بِالمَصائِبِ ، ولا يَدخُلُ فِي الباطِلِ ، ولا يَخرُجُ مِنَ الحَقِّ .
إن صَمَتَ لَم يَغُمَّهُ صَمتُهُ ، وإن ضَحِكَ لَم يَعلُ صَوتُهُ ، وإن بُغِيَ عَلَيهِ صَبَرَ حَتّى يَكونَ اللّهُ هُوَ الَّذي يَنتَقِمُ لَهُ . نَفسُهُ مِنهُ في عَناءٍ ، وَالنّاسُ مِنهُ في راحَةٍ . أتعَبَ نَفسَهُ لِاخِرَتِهِ ، وأراحَ النّاسَ مِن نَفسِهِ . بُعدُهُ عَمَّن تباعَدَ عَنهُ زُهدٌ ونَزاهَةٌ ، ودُنُوُّهُ مِمَّن دَنا مِنهُ لَينٌ ورَحمَةٌ . لَيسَ تَباعُدُهُ بِكِبرٍ وعَظَمَةٍ ، ولا دُنُوُّهُ بِمَكرٍ وخَديعَةٍ .
قالَ : فَصَعِقَ هَمّامٌ صَعقَةً كانَت نَفسُهُ فيها .
فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أما وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أخافُها عَلَيهِ . ثُمَّ قالَ : أ هكَذا تَصنَعُ المَواعِظُ البالِغَةُ بِأَهلِها ؟ فَقالَ لَهُ قائِلٌ : فَما بالُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ !
فَقالَ عليه السلام : وَيحَكَ ! إنَّ لِكُلِّ أجَلٍ وَقتا لا يَعدوهُ ، وسَبَبا لا يَتَجاوَزُهُ . فَمَهلاً لا تَعُد لِمِثلِها ۱ ؛ فَإِنَّما نَفَثَ ۲ الشَّيطانُ عَلى لِسانِكَ ! ۳ .

1.قال ابن أبي الحديد : إنّما نهى أمير المؤمنين عليه السلام القائل : «فهلّا أنت يا أمير المؤمنين !» لأ نّه اعترض في غير موضع الاعتراض ، وذلك أ نّه لايلزم من موت العامّي عند وعظ العارف أن يموت العارف عن وعظ نفسه ؛ لأنّ انفعال العامّي ذي الاستعداد التامّ للموت عند سماع المواعظ البالغة أتمّ من استعداد العارف عند سماع نفسه أو الفكر في كلام نفسه ؛ لأنَّ نفس العارف قويّة جدّاً ، والآلة التي يُحفر بها الطين قد لا يُحفر بها الحجر (شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۱۶۱) .

2.نَفَثَ الشيطان على لسانه : أي ألقى فتكلّم (مجمع البحرين : ج۳ ص۱۸۰۸) .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۳ ، صفات الشيعة : ص۹۶ ح۳۵ ، الأمالي للصدوق : ص۶۶۶ ح۸۹۷ كلاهما عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عنه عليهم السلام ، تحف العقول : ص۱۵۹ ، التمحيص : ص۷۰ ح۱۷۰ ، كتاب سليم بن قيس : ج۲ ص۸۴۹ ح۴۳ كلّها نحوه وراجع الخطبة ۸۷ و ۱۵۷ و۱۶۱ و۱۷۸ و۱۸۸ و۱۹۰ و۱۹۱ والكافي : ج۲ ص۲۲۶ ح۱ وبحار الأنوار : ج۷۷ ص۳۶۷ ـ ۴۴۲ وتذكرة الخواصّ : ص۱۳۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
232

وأمَّا النَّهارَ فَحُلَماءُ عُلَماءُ ، أبرارٌ أتقِياءٌ . قَد بَراهُمُ الخَوفُ بَريَ القِداحِ ۱ ، يَنظُرُ إلَيهِمُ النّاظِرُ فَيَحسَبُهُم مَرضى وما بِالقَومِ مِن مَرَضٍ ، ويَقولُ : قَد خولِطوا ! ، ولَقَد خالَطَهُم أمرٌ عَظيمٌ ! لا يَرضَونَ مِن أعمالِهِمُ القَليلَ ، ولا يَستِكثِرونَ الكَثيرَ . فَهُم لِأَنفُسِهِم مُتَّهِمونَ ، ومِن أعمالِهِم مُشفِقونَ . إذا زُكِّيَ أحَدٌ مِنهُم خافَ مِمّا يُقالُ لَهُ فَيَقولُ : أنَا أعلَمُ بِنَفسي مِن غَيري ، ورَبّي أعلَمُ بي مِن نَفسي . اللّهُمَّ لا تُؤاخِذني بِما يَقولونَ ، وَاجعَلني أفضَلَ مِمّا يَظُنّونَ ، وَاغفِر لي ما لا يَعلَمونَ .
فَمِن عَلامَةِ أحَدِهِم أ نَّكَ تَرى لَهُ قُوَّةً في دينٍ ، وحَزما في لينٍ ، وإيمانا في يَقينٍ ، وحِرصا في عِلمٍ ، وعِلما في حِلمٍ ، وقَصداً في غِنىً ، وخُشوعا في عِبادَةٍ ، وتَجَمُّلاً في فاقَةٍ ، وصَبرا في شِدَّةٍ ، وطَلَبا في حَلالٍ ، ونَشاطا في هُدىً ، وتَحَرُّجا عَن طَمَعٍ . يَعمَلُ الأَعمالَ الصّالِحَةَ وهُوَ عَلى وَجَلٍ . يُمسي وهَمُّهُ الشُّكرُ ، ويُصبِحُ وهَمُّهُ الذِّكرُ . يَبيتُ حَذِرا ، ويُصبِحُ فَرِحا ؛ حَذِرا لِما حُذِّرَ مِنَ الغَفلَةِ ، وفَرِحا بِما أصابَ مِنَ الفَضلِ وَالرَّحمَةِ . إنِ استَصعَبَت عَلَيهِ نَفسُهُ فيما تَكرَهُ لَم يُعطِها سُؤلَها فيما تُحِبُّ . قُرَّةُ عَينِهِ فيما لا يَزولُ ، وزَهادَتُهُ فيما لا يَبقى . يَمزُجُ الحِلمَ بِالعِلمِ ، وَالقَولَ بِالعَمَلِ . تَراهُ قَريبا أمَلُهُ ، قَليلاً زَلَلُهُ ، خاشِعا قَلبُهُ ، قانِعَةً نَفسُهُ ، مَنزورا ۲ أكلُهُ ، سَهلاً أمرُهُ ، حَريزا دينُهُ ، مَيِّتَةٌ شَهوَتُهُ ، مَكظوما غَيظُهُ . الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ . إن كانَ فِي الغافِلينَ كُتِبَ فِي الذّاكِرينَ ، وإن كانَ فِي الذّاكِرينَ لَم يُكتَب مِنَ الغافِلينَ . يَعفو عَمَّن ظَلَمَهُ ، ويُعطي مَن حَرَمَهُ ، ويَصِلُ مَن قَطَعَهُ . بَعيدا فُحشُهُ ، لَيِّنا قَولُهُ ، غائِبا مُنكَرُهُ . حاضِرا مَعروفُهُ ، مُقبِلاً خَيرُهُ ، مُدبِرا شَرُّهُ . فِي الزَّلازِلِ وَقورٌ ، وفِي المَكارِهِ صَبورٌ ، وفِي الرَّخاءِ شَكورٌ . لا يَحيفُ عَلى مَن يُبغِضُ ، ولا يَأثَمُ فيمَن يُحِبُّ . يَعتَرِفُ بِالحَق

1.القِداح : جمع قِدْح ؛ السهم قبل أن ينَصَّل ويُراشَ (لسان العرب : ج۲ ص۵۵۶) .

2.أي قليلاً (النهاية : ج۵ ص۴۰) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24415
صفحه از 496
پرینت  ارسال به